للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابَ «صحيح البخاري» واختصَرَه .. ولأنَّ كتابَ مُختصر الزَّبيدي لم يَنَل مِن العناية والاهتمامِ ما يستحقُّ فيما أعلم، فقد ازدادَ تَعلُّق المسلمين بكتابِ «صحيح البخاري» الأصل، حتَّى صارَت له عند كثير منهم قُدسيَّة خاصَّة» (١).

فقد نَمنَم (عفانةُ) في مَقاله هذا على الزَّبيديِّ كذِبًا -عن سوءِ هَمٍّ، أو قِلَّةِ فهمٍ- حينَ ادَّعى أنَّ قصدَ الزَّبيدي مِن مُختصِره هذا تنقيحَ «البخاريِّ» مِن زَيفِ الحديث؛ فإمَّا أنَّ (عفانة) لم يقرأ كتابَ الزَّبيدي أصلًا! وإنَّما تَوَهَّم ذلك موضوعَه، أو يكون (عفانة) كذَّابًا مُدلِّسًا على قُرَّائه!

والمَعلوم بداهةً لكلِّ حديثيٍّ، بل لِمن تَصَفَّح مُقدِّمة الزَّبيدي للكِتابِ ولو سريعًا: أنَّ غَرَضه منه حذفَ المُكرَّرات والمُعلَّقات مِن أحاديثِ البخاريِّ، لأجلِ الاختصارِ لا غير.

الفرع الثَّاني: شروط (عفانة) في السَّند والمتنِ ومعناه ليصحَّ الحديث.

فعلى ذاك النَّحو المُظلم صارَ (عَفانة) يخبط في البخاريِّ خبطَ عشواءٍ، يرمي كلَّ حديثٍ لا يُوافق قواعده الوَرْهاء، والَّتي أعرضَ بها عن كلِّ ما قعَّده المُحدِّثون في باب النَّقد للحديث، حتَّى استدركَ عليهم شروطًا ابتكرها لا يصحُّ خبرٌ في «البخاري» إلَّا بها، وقد حَصَرها في ثلاثةِ عناصر: السَّند، والمتن، والفهم (٢).

فأمَّا السَّند: فقد شَرَطَ فيه (عفانة) عدمَ تَفرُدِّ راوٍ به في أيِّ طبقةٍ مِن طبقاتِ السَّند! أي أن يروِيَه اثنان فأكثر في كلِّ طبقةٍ؛ وهذا لا شكَّ مذهبٌ باطلٌ مَهجورٌ عند أهل الحديث؛ بل روايةُ الواحدِ عن الواحدِ صحيحةٌ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، ويكفي في ردِّ كلامه مثال حديث عمر رضي الله عنه: «إنَّما الأعمال بالنِّيات»، وإجماع العلماء على صِحَّته، مع كونِه فَردًا غريبًا (٣).


(١) «صحيح البخاري مخرج الأحاديث محقق المعاني» (١/ ٥ - ٦).
(٢) انظر «الإسلام وصياح الدِّيك» (ص/٨٨).
(٣) انظر «توجيه النظر» لطاهر الجزائري (١/ ١٨٣ - ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>