للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضلًا عن ردِّ (عفانة) لمئاتِ الرِّوياتِ الصَّحيحة لمجرَّد أن أحدَ رواتها قيل فيه: (لا بأس به)، أو (صدوق له أوهام)، أو (صدوق ربَّما أخطأ)، فيكفيه أن يُغمَز الرَّواي بأدنى كلامٍ -ولو كان مَرجوحًا- كي يَتَوقَّف في حديثِه.

ترى صنيعَه هذا ماثلًا في ردِّه لحديث ابن عبَّاس رضي الله عنه: «إنَّهما يعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبيرٍ» (١)، حيث قال عقِبه: «يُتوقَّف فيه سَندًا، فيه عثمان بن أبي شيبة، قال فيه أحمد: ما علمتُ إلَّا خيرًا، وقال أبوحاتم الرَّازي: صدوق» (٢)!

وكأنَّ (عفانة) يوَّد أن يوهمنا بمثل هذا التَّلاعب بأحكام النُّقاد أنَّه رجل غَيورٌ على السُّنة! يخالُ المسكين أنَّ هذا الغلوَّ في مَعايير القَبولِ ماشٍ فيه على «وِفق علمِ مصطلح الحديث والرِّجال» (٣)؛ وهيهات! فليته إذ تعَسَّف في الطَّعنِ بثقاتِ الرُّواة، نَظرَ أوَّلًا في مُتابعاتِ حديثِهم وشواهدِه، عساه يجِدُ ما يُمشِّي به حديثَهم ويُقوِّيه على الأقل، ولكنَّ العَجلةَ أعمَتهُ عن تَتبُّع ذلك.

فمثال ذلك في كتابه:

ما أخرجه البخاريُّ في «صحيحه» قال: قال مالك، أخبرني زيد بن أسلم، أنَّ عطاء بن يَسار أخبره، أنَّ أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أخبره، أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أسلمَ العبدُ، فحسُن إسلامُه، يُكفِّر الله عنه كلَّ سيِّئةٍ كان زلفها .. » الحديث (٤).

فقال عفانة: «ضعيف مُعلَّق، لا يُؤخذ منه حكمٌ، وفي القرآن ما يُغني عنه» (٥).


(١) أخرجه البخاري في (ك: الوضوء، باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله، رقم: ٢١٦)، ومسلم في (ك: الطهارة، باب: الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، رقم: ٢٩٢).
(٢) «صحيح البخاري مخرج الأحاديث محقق المعاني» (١/ ٦٤).
(٣) «صحيح البخاري مخرج الأحاديث محقق المعاني» (١/ ٥).
(٤) أخرجه هكذا البخاري في (ك: الإيمان، باب: حسن إسلام المرء، رقم: ٤١).
(٥) «صحيح البخاري مخرج الأحاديث محقق المعاني» (١/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>