للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا ضربة لازب؛ لم يُكلِّف الرَّجل نفسَه ولو فتحَ شرح واحدٍ من شروح البخاريِّ كـ «فتحِ الباري»، إذن لوَجَد أنَّ الحديثَ فيه مَوصولٌ، يقول عنه ابن حجر: «قد وَصَله أبو ذرِّ الهروي في روايتِه، ولم يسُق لفظَه، ووَصَله النَّسائي في السُّنن، والحسن بن سفيان في مُسندِه، والإسماعيليُّ عنه، والدَّارقطني في غرائب مالك، وسمويه في فوائده، وغيرهم، وقد سُقته مِن طريق عشرة أنفسٍ عن مالك» (١).

وأمَّا شروط (عفانة) في المتن لقبول الحديث:

فذكَرَ منها: موافقةَ الحديثِ للقرآن الكريم، وقصدُه الدَّقيق منه: أنَّ أيَّ حديثٍ فيه إنشاء حُكمٍ ليس له في القرآن أصلٌ فهو مَردود!

وكذا ألَّا يُصادِمَ عنده العِلمَ القطعيَّ اليَقينيَّ، أو يناقضَ السُّنن الكونيَّة، أو يحيلَه العقل أو الواقع، أو يَتعارض مع روحِ الإسلام، أو يُكذِّبه التَّاريخ، وأن لا يطرأ عليه الاحتمال، أو لا يأتي بما تشمئزُّ منه النَّفس، أو يُناقض الكرامةَ والعِفَّة (٢).

وليس في السُّنِنِ الصِّحاح -بحمد الله- ما ينطبق عليه ما ذكره في هذه الفقرة الأخيرة، ولكنَّ المُشكلة في فهمِه للمتون الَّتي يعارض بها تلك الأصول.

وأمَّا ما يتعلَّق بشرط الفهم لمتن الحديث عند (عفانة):

فقد شرط في المتن أن يكون واضِحًا مِن جهة اللُّغة (٣)، يُمكن فهمُه بمُجرَّد سماعِه (٤).

ولا شكَّ أنَّ هذا أمرٌ نِسبيٌّ، فلا يُجعل معيارًا مطلقًا، فإنَّ مَخزون اللُّغةِ عند العَربِ زمنَ النَّبي صلى الله عليه وسلم كبيرٌ يُمكِّنهم من فهمِ كلامِه تلقائيًّا، بخلافِ الخوالِف بعدهم


(١) «الفتح» لابن حجر (١/ ٢٠).
(٢) انظر كتابه «الإسلام وصياح الديك» (ص/٨٨).
(٣) انظر كتابه «الإسلام وصياح الديك» (ص/٨٨).
(٤) انظر «صحيح البخاري مخرج الأحاديث محقق المعاني» (١/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>