للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن الأعاجِم الَّذين جاءوا بعدُ بقرونٍ، فهؤلاء يحتاجون للرُّجوعِ إلى شرحِ غريب اللُّغة والحديثِ لفهمِ كلامِه، لا أن يَردُّوا ما لم يفهموه لوجود غريبٍ فيه.

هذا كلُّه مِن جِهة التَّنظير والتَّأصيل.

وأمَّا من جِهة التَّطبيقِ لهذه القواعد على الأحاديث:

فقد شَطَّب (عفانةُ) بها على جملةٍ وافرةٍ من أحاديث «الجامع الصَّحيح» ناقَضَت عقيدَته الاعتزاليَّة (١)، أو خالفت فهمَه للدِّين، فردَّ بها كلَّ حديث فيه ذكرٌ لأشراطِ السَّاعةِ، أو عذاب القبر، واصفًا لها كلِّها بأنَّها مجرَّد خُرافة (٢)، بل رَدَّ ما لم يُسبَق إليه مِن السُّنَن، كحديث «صيام يوم عرفة»، حيث استكثر على الله أن يُكفِّر لعبادِه بصيامِ يومٍ واحدٍ سنتين كاملتين! فرفضه على قاعدة: «ما جاء بثواب عظيم على نافلة صغيرة» (٣)!

كلُّ هذا العَبث بدعوى ترسيخِ المنهج العقليِّ الواقعيِّ، وحضِّ المسلمين على إعادة النَّظر في تراثهم (٤)، سببه الأساس مردُّه إلى ظنِّ (عفانة) أنَّ البخاريَّ وغيره من أئمَّة النَّقد سُذَّج غَافلون عن ركامِ الأحاديثِ المَدسوسةِ في السُّنةِ؛ تفهم هذا الظَّن السَّيء منه مِن قولِه مثلًا: «الآن لننتقل إلى أعمال المحترفين في التَّزييف والتَّخريب المتعمَّد -يعني حديث: «حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» - الَّذي لم ينتبه لبعضِه أكابرُ علماء الحديث ورواته، حتى مرَّ على البخاري والتِّرمذي .. » (٥).

وقد تبيَّن لك حالُ الرَّجلِ في السَّفاهةِ والسَّذاجةِ وقلَّة العلم والدِّين، فما كان أقلَّ في حقِّ مثلِه أن يُلحَق بعُسَيلٍ فيُأدَّب بدُرَّة عمر رضي الله عنه.


(١) انظر «صحيح البخاري مخرج الأحاديث محقق المعاني» (١/ ١٩٩، ٨٦، ٢٠) و «الإسلام وصياح الديك» (ص/٥١، ٣٧، ١٩).
(٢) «حوار حول أحاديث الفتن وأشراط الساعة» (ص/٧٤).
(٣) انظر كتابه «دور السُّنة في إعادة بناء الأمَّة» (ص/٣، ١٣٩).
(٤) انظر كتابه «حوار حول أحاديث الفتن وأشراط الساعة» (ص/٧٤).
(٥) «الحق أبلج» (ص/٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>