للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُرتكز العمليَّة النَّقديَّة في أيِّ علمٍ كان: التَّوجهُ أوَّلًا نحو جذور الأقوال فيه بالنَّقد والدِّراسة، دون الانشغال بنقدِ مُخرجاتها من آحاد الأقوال.

فإذا كان الطَّاعنون في السُّنة يُركِّزون على الجزئيَّات لتعود على أصولِنا بالإبطال، فإنَّا -بالعكس- سنُركِّز نقدَنا في هذا البابِ على أصولِهم النَّقديَّة، لتعود على الجزئيَّات بالإبطال؛ ذلك أنَّ كلَّ شيءٍ لا تُستأصل جذوره لا يُنتفع بزوالِ فروعِه! والباطلُ المُتمكِّن إذا لم يُرفع بحقٍّ مُماثلٍ له في القوَّة، لا بُدَّ أن يعود ولو بعد حين.

وإلى عظيم فائدة هذا المنهج القويمِ في نقدِ الكُليَّاتِ والأصولِ من أفكار المُخالفين، يشير ابن تيميَّة (ت ٧٢٦ هـ) بقولِه: «إنَّ معرفةَ المرضِ وسبَبَه يُعين على مُداواته وعِلاجِه، ومَن لم يعرف أسبابَ المقالاتِ وإن كانت باطلةً، لم يتمكَّن مِن مُداواة أصحابها وإزالة شُبهاتهم» (١).

وقبله قال أبو حامدٍ الغزالي (ت ٥٠٥ هـ): «الوقوف على فسادِ المَذاهب قبل الإحاطةِ بمَداركِها مُحالٌ، بل رميٌ في العماية والضَّلال» (٢).

فكان خلاف هذا المنهج من أخطرِ المَعايب المَنهجيَّة الَّتي يكثُر أن نقع فيها -نحن معاشر الباحثين- في هذه الأعصُرة المتأخِّرة، أن ننشغل بآحاد الأفكار، ونغفل عن النَّظريَّات الَّتي أفرزتها؛ أن نتلهَّى بالمُخرجات، وننسى أصولها الَّتي أنتجتها؛ أن نفتتن بما قال فلانٌ، وما قالت الطَّائفة الفلانيَّة، ولا نهتمَّ عميقًا بالسُّؤال المَنهجيِّ الجَوهريِّ: لماذا قالوا ذلك أصلًا؟!

فلذلك كان منهجي في هذا البحث نقد الأصول الَّتي يلج من خلالها الطَّاعنون للطَّعن في أحاديث «الصّحيحين»، حتَّى إذا ما ظهر زيف ما ابتنوا عليه نقداتهم، تساقطت مع هذا الزَّيف أكثر تشغيباتهم على أفرادِ الأحاديث.

فأقول مُستعينًا بالله تعالى:


(١) «الرد على البكري» لابن تيمية (١/ ١٨٢).
(٢) «مقاصد الفلاسفة» للغزالي (ص/٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>