للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى إذا تَقالَّ الصَّحابة مِن حَمَلة العلم وانعدَموا، ونَقُص الحفظُ في النَّاسِ كما كان عند العَرب، وكثُرَ الدَّاخلون في الإسلام واتَّسَعت رُقعته، وأمِن العلماء على انغراس جذورُ القرآنِ في قلوبِ النَّاس، وتَفشِّيه في بُيوتاتِهم وأسواقِهم، مع ما خُشِي من نسيان السُّنةِ واندثارِها مع الزَّمن، وكثُر ابتداع الخوارجِ والرَّوَافضِ ومُنكري الأقدار: سارَع أَمَنة الشَّريعةِ مِن أهلِ الحديثِ إلى تدوينِ تلك المرويَّات الشَّفهيَّة للسُّنة وحفظِها للأجيال اللَّاحقة، كما كانوا فَعَلوا مع القرآن تمامًا؛ إلى أن صارَ التَّدوين مأمورًا به رسميًّا على لسانِ الخليفة عمر بن عبد العزيز (١).

يقول المُعلِّمي: «مَن طالعَ تراجمَ أئمَّة الحديثِ مِن التَّابعين فمن بعدهم، وتدبَّر ما آتاهم الله تعالى من قوَّةِ الحفظِ والفهم، والرَّغبة الأكيدة في الجدِّ والتَّشمير لحفظ السُّنة وحياطتها: بَانَ له ما يحيِّر عقلَه، وعلِم أنَّ ذلك ثمرةُ تكفُّل الله تعالى بحفظِ دينِه، وشأنهم في ذلك عظيم جدًّا، أو هو عبادة من أعظمِ العباداتِ وأشرفها، وبذلك يتبيَّن أنَّ ذلك من المصالحِ المترتِّبة على ترك كتابةِ الأحاديثِ كلِّها في العهدِ النبَّوي، إذ لو كُتبت لانسدَّ باب تلك العبادة» (٢).


(١) كما ثبت ذلك في «صحيح البخاري» (ك: العلم، باب: كيف يقبض العلم، ١/ ٣١) وغيره.
(٢) «الأنوار الكاشفة» (ص/٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>