للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ميمون يقول فيه: «رأيتُ في الجاهلية قِرْدة، اجتمع عليها قِرَدَة قد زنت، فرجموها» (١):

حيث استدلَّ (جولدزيهر) (٢) على دَسِّ هذه الرِّواية في «البخاريِّ» بكلامٍ للحُمَيديِّ (ت ٤٨٨ هـ) يقول فيه بعد سرد الحكاية: «كذا حكاه أبو مَسعود -يعني أثرَ عمرو بن ميمون-، ولم يُذكَر في أيِّ موضعٍ أخرجه البخاريُّ مِن كتابه، فبَحَثنا عن ذلك، فوجدناه في بعضِ النُّسَخ لا في كلِّها، قد ذُكِر في (أيَّامِ الجاهلية)، وليس في روايةِ النَّعيمي عن الفربري أصلًا شيءٌ مِن هذا الخبر في القِرَدة، ولَعلَّها مِن المُقحَمات الَّتي أُقحِمَت في كتاب البخاريِّ» (٣).

وتبعَ الحميديَّ على هذا الادِّعاء ابنُ الجوزيِّ (ت ٥٩٧ هـ) وأقرَّه (٤)، وكذا فعَلَ ابن الأثير (ت ٦٣٠ هـ) (٥).

ولتأيِيد هذا الإقحامِ المُدَّعى في «البخاريِّ»، ساقَ (جولدزيهر) استنكارَ ابنِ عبد البرِّ (ت ٤٦٣ هـ) لمتنِ هذا الأثر، وهو قوله: «هذا عند جماعةِ أهلِ العلم منكرٌ إضافةُ الزِّنَا إلى غيرِ مُكَلَّف، وإقامةُ الحدودِ في البَهائم» (٦).

وبهذا تصير روايةُ البخاريِّ لأثرِ عمرو بن ميمون هذا مَثارَ غلَط كبيرٍ عند ثلاث طوائف مِن المُعاصِرين:

طائفةٍ أولى: تَزيَّت بلباسِ التَّوثيق في الظَّاهر -كحالِ هذا المُستشرق المَجَريِّ- أنكرَت أن يكون أثرُ ابنِ ميمونٍ مِن جملةِ ما أودَعَه البخاريُّ في كتابِه مِن الأساسِ، وأيَّدت مَوقفها هذا بما تدَّعيه مِن نكارةٍ في متنه.


(١) أخرجه البخاري في (ك: المناقب، باب: أيام الجاهلية، رقم: ٣٨٤٩).
(٢) في كتابه «دراسات محمديَّة» (ص/٢٦٦)، وتابعه على تقرير الشُّبهة (حسين الهرساوي) في كتابه «البخاري وصحيحه» (ص/١٣ - ١٤).
(٣) «الجمع بين الصحيحين» (٣/ ٤٩٠) ونقل الدميري أيضًا قولَه هذا مُوافقًا له في «حياة الحيوان الكبرى» (٢/ ٣٣٣).
(٤) «كشف المشكل من حديث الصَّحيحين» (٤/ ١٧٥).
(٥) «أسد الغابة» (٣/ ٧٧٢).
(٦) «الاستيعاب» لابن عبد البر (٣/ ١٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>