للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يخفى أنَّ هذا الزَّعم ينتج عنه عدمُ الوُثوق بجميعِ ما في «الجامع الصَّحيح»! فإنَّه إذا جازت دعواهم في واحدٍ لا بعينِه، جازَت في كلِّ فَردٍ فردٍ مِن أحاديثِه، فلا يبقى لأحدٍ وُثوق بما في الكتاب!

وأمَّا الطَّائفة الثَّانية: فلم تنشغل بدَعوى الإقحامِ هذه، واقتصرَت على إنكار متن هذه الرِّواية فقط، لا تلوي في ذلك على شيءٍ إلَّا تسفيه عقلِ البخاريِّ وفهمه! تُهمةً له باستساغةِ حمَاقاتِ الرُّواة مِن غيرِ فرقانٍ يُميِّز به مَعقولَ الأخبارِ مِن مَردودِها.

وفي تقريرِ دعوى النَّكارةِ هذه، يقول (محمَّد جواد خليل):

«نُلاحظ أنَّ هذا التَّابعي (ابن ميمونٍ) قد أطلقَ كلمةَ الزِّنا على القِرْدَة .. ! وعندما تَرى ديكًا سَفَدَ على دَجاجة، فلا يجوز لك أن تقول إنَّ هذا الدِّيك يزني، وكذلك عندما تَرى كَبشًا ينزو على نَعجةٍ، فلا يجوز أن تقول إنَّ هذا الكبش يزني! وذلك لأنَّ الحيوان غير مُكلَّف، فكلمة الزِّنا لا تُطلق ولا تُقال إلَّا لبني البَشر، ولِمن عَقل، ووَقع عليه التَّكليف الشَّرعي .. وهل كان هذا القرد الزَّاني مُحصَنًا؟! .. » (١).

ثمَّ يقول: «ثمَّ ماذا نستفيد مِن ذكرِ هذه الرِّواية؟ أليسَ المسلمون في غِنًى عن ذكر مثل هذه الرِّوايات؟!» (٢).

أم «هذا وَحيٌ مِن السَّماء؟!» (٣) كما يتهكَّم به (نيازي).

وأمَّا الطَّائفة الثَّالثة: فعلى خلاف السَّابقة حافِظةٌ للبخاريِّ قامتَه العلميَّة، مُعليةٌ مِن شأنِ «جامعِه»، مِن غيرِ أن يمنعَها ذلك مِن الاعترافِ بنكارةِ مثل هذه القصَّة في «الصَّحيح»:

كما تراه -مثلًا- في تعليقِ الألبانيِّ عليه بقوله: «هذا أثرٌ مُنكر؛ إذ كيف يمكن لإنسانٍ أن يعلمَ أنَّ القِرَدَة تَتَزوَّج، وأنَّ مِن خُلُقِهم المحافظةَ على العِرْض،


(١) «كشف المتواري» (٢/ ٣٢٩ - ٣٣٤) بتصرف يسير.
(٢) «كشف المتواري» (٢/ ٣٣٢).
(٣) «دين السلطان» لنيازي (ص/٤٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>