للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أبا عبد الله بكمالِه؟ قال: فسَكَت» (١)؛ وبقولِ ابن حَجرٍ عند كلامِه على حديثِ سِحرِ النَّبيِ صلى الله عليه وسلم: « .. هذا مِن نَوادِر ما وَقَع في البخاريِّ، أنَّه يُخرج الحديثَ تامًّا بإسنادٍ واحدٍ بلَفظيْن» (٢).

وهذا بخلاف مسلم، فليس يَنقِمُ عليه المُخالفون هذه الطَّريقة كثيرًا، لا يكادون يذكرونه (٣)، لأنَّهم يَعلمون أنَّ «مسلمًا إنَّما صَنَّف كتابَه في بلدِه، بحضورِ أصولِه، في حياةِ كثيرٍ مِن مَشايخِه، فكان يَتَحرَّز في الألفاظِ، ويَتَحرَّى في السِّياق» (٤).

وفي تقرير هذه الشُّبهة في متون البخاريِّ، يقول (النَّجميُّ):

«لو تَتبَّعنا وفحَصنا الأحاديثَ الَّتي رَواها البخاريُّ في «صحيحِه»، لوَجَدنا أنَّ البخاريَّ اتَّبَعَ أسلوبَ النَّقلِ بالمعنى في كثيرٍ منها، .. وعليه؛ فهل يُمكِن لقارئٍ أن يَعتمِدَ على كتابٍ وَضَعَه مُؤلِّفُه في مُدَّةِ ستَّة عشر سنة، كما اعترفَ البخاريُّ أنَّه خَرَج وضَبَط فيه تلك الأحاديث الَّتي سَمِعها في بلدٍ، وبعد مُدَّةٍ مِن الزَّمن كتَبها وهو في بلدٍ آخر؟

لا ريبَ أنَّ هذه الفترة الزَّمنية الَّتي فَصَلت بين سماعِ الحديثِ وبين تَدوِينه، سوف تُنسيه ألفاظَ الحديث، ويأتي مكانَها بألفاظٍ أخرى غيرها، أي يكون النقل فيه نقلا بالمعنى، وبهذا يَفقد الحديثُ شأنَه واعتبارَه، .. ولهذا السَّبب جَعلنا موضوعَ النِّقلِ بالمعنى الَّذي اتَّبعه البخاريُّ في تخريجِه للأحاديثِ في صَحيحِه دليلًا على ضَعفِ أحاديثِه» (٥).


(١) «تاريخ بغداد» (٢/ ٣٢٢).
(٢) «فتح الباري» (١٠/ ٢٢٧).
(٣) ولذلك آخَذَ (حيدَر حبُّ الله) احد الباحثين الإماميَّة المعاصرين على (صادق النَّجمي) عدمَ شكرِه لمسلمٍ صنيعَه في المحافظة على المتون، فقال في «مَوقف الإماميَّة من الصحيحين» (ص/٥٤): « .. المُلِفت أنَّ النَّاقد المُوقَّر هنا، لم يَمتدح مسلم بنَ الحجَّاج على عدمِ حذفِه هذه الأمثلة كما فعَل البخاريُّ، مع أنَّه جَعَل عنوانَ بحثِه في إشكاليَّات على الصَّحيحين! فيما هي إشكاليَّةٌ على البخاريِّ، ومدحٌ لمسلمٍ على مَوضوعيَّته!».
(٤) «النُّكت على كتاب ابن الصَّلاح» لابن حجر (١/ ٢٨٣).
(٥) «أضواء على الصَّحيحين» (ص/١٢٥ - ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>