للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أنَّ العلاقة بين روايةِ المتنِ بالمَعنى وبين اختصارِه، أيضًا علاقةُ عموم وخصوصٍ وجهيٍّ، إذ يَجتمعان في حديثٍ حُذِف منه بعضُ ألفاظِه، وتُصُرِّف فيه بما يُوافق المعنى؛ وتَنفرِدُ الرِّوايةُ بالمعنى عن الاختصار بحديثٍ حَصَل فيه تَغيِيرٌ في ألفاظِ المتن، دون أن يَستلزم ذلك حذفُ شيءٍ مِن المتن (١).

الفرع الثَّاني: حكمُ الرَّوايةِ بالمعنى واختصارِ المتنِ، وشروط ذلك.

أمَّا الرِّواية بالمعنى - وإن كان الخلافُ فيها ثابتًا بين المُتقدِّمين - فإنَّ جوازها بشروطِها هو مَذهبُ جمهورِ العلماء (٢)، و «الَّذي تَشهدُ به أحوالُ الصَّحابة والسَّلَف، ويَدلُّ عليه روايَتُهم القصَّةَ الواحدةَ بألفاظٍ مُختلفةٍ» (٣)، وهو المُستَقَرَّ عليه عند عامَّة المُتأخِّرين (٤).

والأصلُ وإن كان تأديَة الرَّاوي للحديثِ كما سَمِعه بلفظِه، فهو لا ريبَ أبرَأُ للذِّمة؛ لكن للمَشقَّة فيه رخَّصوا أنْ يُؤدِّيه على معناه، حيث العِبرةُ في نصوصِ السُّنة هو ما تدُلُّ عليه مِن الأحكامِ والشرائعِ، فإنَّ الأداءَ للحديثِ بمعناه عند مَشقَّة الإتيان بلفظِه مُحقِّق للغَرضِ، ما دام المعنى صحيحًا مُوافقًا لدلالةِ أصلِ لفظِه (٥).

فلأجلِ ذلك نرى المحدِّثين شَرَطوا على مُؤدِّيه على هذا الوجهِ أن يكون فقيهًا عالِمًا بما تُحيل المعاني، وحرَّموا ذلك على الجاهلِ بمَواقع الخطابِ، ودقائقِ الألفاظ، لئلَاّ يَقعَ في الكذبِ على النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ حتَّى كان مِن صُوَر العِلَل الواردةِ عندهم على الأحاديثِ النَّبويَّة: التَّعليلُ بالخطأِ بسبَبِ الرِّوايةِ بالمعنى (٦).


(١) وإلى هذا التقسيم يشير كلام القاضي عياض السَّبتي في كتابه «إكمال المعلم» (١/ ٩٤).
(٢) انظر «نزهة النَّظر» لابن حجر (ص/١١٩).
(٣) «تدريب الرَّاوي» للسُّيوطي (١/ ٥٣٣).
(٤) ذكرَ اتِّفاقَهَم الخطيبُ البغداديُّ في «الكِفاية» (ص/٢٠٠).
(٥) مع اتَّفاقِهم جميعًا على حُرمةِ روايةِ ما تَضمَّنته بطونُ الكُتُب بالمعنى، فليس لأحَدٍ أن يُغيِّر لفظَ شيءٍ مِن كتابٍ مُصَنَّفٍ ويُثبِتَ بَدَلَه فيه، لانتفاءِ المَشقَّة، انظر «مقدمة ابن الصَّلاح» (ص/٢١٤)، و «فتح المغيث» للسخاوي (٣/ ١٣٧).
(٦) انظر أمثلة ذلك في «شرح علل الترمذي» لابن رَجب (١/ ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>