للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن تيميَّة في ما يقعُ في نَقلِ المتونِ بالمعنى أو تفسيرِها مِن غَلطٍ: «إنَّ الله يُقيم له مِن الأمَّة مَن يُبيِّنه، ويذكرُ الدِّليلَ على غلطِ الغالِطِ، وكذبِ الكاذبِ، فإنَّ هذه الأمَّة لا تَجتمع على ضلالةٍ، ولا يَزالُ فيها طائفةٌ ظاهرةٌ على الحقِّ حتَّى تقوم السَّاعةُ، إذْ كانوا آخِرَ الأمَمِ، فلا نبيَّ بعد نَبيِّهم، ولا كتابَ بعد كتابِهم» (١).

هذا؛ وليس ما نراه من تَعَدُّد رواياتِ الحديثِ الواحدِ أصلُه دائمًا مِن النَّقَلة، بل يكون أحيانًا بسببِ تَنوعِّ ألفاظِ النَّبي صلى الله عليه وسلم نفسِه بين الحينِ والآخر؛ فرُبَّ حديثٍ قاله في مَجلسٍ، أعادَه في مجلسٍ أو مناسبةٍ أخرى بلفظٍ آخر، فيَروِي كلُّ صَحابيِّ ما سَمِعَه فيما حَضرَه (٢).

ويتَفَرَّع عن هذا المبحثِ من الرِّواية بالمعنى، حكمُ اختصارِ الحديث:

فقد ذهب إلى منعِ الاختصار مُطلقًا أكثرُ مَن مَنَع نَقلَ الحديثِ بالمعنى، وهم بعضُ أهلِ الحديث المُتقدِّمين، تحرُّزًا مِن قطعِ الخبرِ وتَغيِيره، فيُؤدِّي ذلك إلى تغييرِ معَناه دون تفطُّنٍ؛ وهذا اختارَه أبو الحسين البصري (ت ٤٣٦ هـ) مِن المعتزلة (٣).

وعلى خلاف هذا المذهب مَشى سائر المُحدِّثين والأصوليِّين، أي إلى جوازِ الاختصارِ، بل قال النَّووي: «أمَّا تقطيعُ المُصَنِّفين الحديثَ الواحدَ في الأبواب، فهو بالجوازِ أَوْلى، بل يبعُد طَردُ الخلافِ فيه، وقد استمَرَّ عليه عِلمُ الأئمَّةِ الحُفَّاظ الجِلَّة مِن المُحدِّثين وغيرهم مِن أصنافِ العلماء» (٤).


(١) «الجواب الصَّحيح» (٣/ ٣٩).
(٢) انظر أمثلةً لذلك في «أسباب تعدُّد الروايات في متون الحديث» لـ د. شرف القُضاة وأمين القضاة (ص/١٠).
(٣) «المعتمد» لأبي الحسين البصري (٢/ ١٤١).
(٤) «شرح النووي على مسلم» (١/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>