للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء الأعلام في مذهبهم هذا لم يُغفلوا تقيِيدَ الاختصارِ للمتونِ وتقطيعِها بشروطٍ تَقي مِن تَغيِير المعنى، هذه الشُّروط منها ما يَتَعلَّق بالرَّاوي المُختَصِر نفسِه، ومنها ما يَتَعلَّق بالحديثِ الَّذي يُراد اختصارُه (١).

فأمَّا عن الواجبِ توفُّره من ذلك في المُخْتَصِر:

فيلزمه العِلمُ بمَدلولاتِ ألفاظِ الحديث، وما يخلُّ حذفُه مِن المتنِ بالمعنى.

وكذا يلزمُه الفقهُ بمعنى المتنِ، وما يدلُّ عليه من أحكام، لكي لا يحذَفَ ما له تَعلُّقٌ بحكمٍ منه، فيقطع الخبرَ عن وجهِه (٢).

وفي تقريرِ هذه اللَّوازم للمُختَصِر يقول ابن حبَّان: « .. أنْ يعلَمَ مِن الفقهِ بمقدارِ ما إذا أدَّى خبرًا، أو رواه مِن حفظه، أو اختصره، لم يُحِلْه عن معناه الَّذي أطلَقَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى معنى آخر» (٣).

فإذا شَكَّ الرَّاوي في الارتباطِ بين اللفَّظ المُقتصَر عليه وما تَرَكه مِن الحديث، تَعيَّن عليه ذكرُ الحديث بتمامِه، كونه أسلمَ للرِّوايةِ وأحفظ (٤).

هذا مع لزومِ انتفاء التُّهمة عن المُختصِر عند اختصارِه للحديث؛ فإِن كان حذفُ الرَّاوي لبعض المتنِ يعرِّضه لتهمةِ الاضطرابِ بالنَّقل -مثلًا- أو الغفلةِ والنِّسيان، فلا ينبغي له حينئذٍ الاختصار، اللَّهم إلَّا مِن إمامٍ حافظِ معروفٍ بالإتقانِ (٥).

وأمَّا الشروط الواجب توفُّرها في المتن المرادِ اختصاره:

فهي شروط صحَّةٍ للاختصار ترجع عند من وضعها إلى ارتباطِ اللَّفظ بالمعنى المُراد تبليغُه، فلا يجوز اختصارُ المتنِ إذا كان اللَّفظُ المُراد اختصارُه


(١) انظر «الكفاية» للخطيب (ص/١٩١ - ١٩٣).
(٢) انظر «إكمال المعلم» (١/ ٩٤)، و «نزهة النظر» (ص/٩٧)، و «فتح المغيث» (٣/ ١٣٩)، و «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ٣٦٣).
(٣) «صحيح ابن حبان» (١/ ١٥٢).
(٤) انظر «فتح المغيث» (٣/ ١٣٩).
(٥) انظر «المستصفى» للغزالي (ص/١٣٣)، و «مقدمة ابن الصلاح» (ص/٢١٦)، و «توجيه النظر» لطاهر الجزائري (٢/ ٧٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>