للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصاحبه (إسماعيل الكرديُّ) يعتبر أحاديثَ الآحاد ظنِّية الصُّدورِ مُطلقًا، لا يُحتجُّ بمثلها في عقيدةٍ ولا أصلٍ من أصولِ العبادات (١)، وهذا يسحبه على آحاد «الصَّحيحين»، فلا حرجَ على من ردَّها لخللٍ يراه في متونها (٢).

فلقد تحذلقَ بهذه الدَّعاوي مَن لم يشُمَّ رائحة الحديث ولم يدرِ ما حقيقته، يتوكَّؤ على أخطاءِ وقع فيها بعض أربابِ الكلامِ، فيُبعثرَها في أوراق تُزري بالحديثِ وحَملتِه، إراحةً منه لضميرِه مِن لومِ اللَّائمين على غمزِه صحاحَ السُّنَّن، ولسانُ حالِه يقول: قد سُبقت في هذا مِن رجالات الحديث أنفسهم!

ترى هذا الانتكاس المنهجيِّ ماثلًا في دعوى العلمانيِّين أيضًا، كحالِ (عبد المجيد الشَّرفي) حين سَوَّغَ رفضَه لكثيرٍ من الصِّحاحِ في جملةٍ واحدةِ: «إنَّها باعترافِ كلِّ القدماءِ -باستثناءِ الظَّاهريَّة- تفيد الظَّن ولا تفيد اليَقين»! (٣)

ولعلَّك بعد أن عايَنت تلك الجرأةِ على النُّصوص النَّبويَّة بالإبطال بدعوى احتمالها للكذب، علمتَ حكمة الشَّافعيِّ في التَّمهيدِ لكتابه «اختلاف الحديث» بالكلامِ عن حُجيَّة الآحاد وإفادتها للعلم بشرطِه!

وبهذا تظهر أهميَّة تحقيق القول في هذه المسألة الأصوليَّة، وتقرير مَفاد هذه الآحاد الصَّحيحة قبل الشُّروع في الذَّب عن أفرادها، إذْ أنَّ إبطال هذا الأصل الَّذي يعتمده المعاصرون في ردِّ صِحاح الأخبار كفيلٌ بتضييق مسالك الاعتداء على الجزئيَّات الَّتي تندرج تحته، وإمساك حُجَزهم عن اقتحامِ الحِمى النَّبوي الشَّريف.

فنقول مستعينين بتوفيق الله وتسديده:


(١) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٣٥).
(٢) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٤٤).
(٣) «تحديث الفكر الإسلامي» للشرفي (ص/٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>