للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول في شرحه على «صحيح مسلم»:

«ما اتَّفق البخاريُّ ومسلم على إخراجه فهو مقطوع بصدق مَخبرِه، ثابت يقينًا، لتلقِّي الأمَّة له بالقبول، وذلك يفيد العلمَ النَّظريَّ، وهو في إفادة العلم كالمتواتر، إلَّا أنَّ المتواتر يفيد العلم الضَّروريَّ، وتلقِّي الأمَّة بالقَبول يفيد العلمَ النَّظريَّ» (١).

فقد جعل ابن الصَّلاح من خلال هذين النَّصَين:

١ - ما اتَّفق عليه الشَّيخان أعلى مراتب الصَّحيح.

٢ - واتِّفاق الأمَّة تابعٌ لاتِّفاقهما لتلقِّيها ما أخرجاه بالقَبول.

٣ - وأنَّ التَّلقِّي في صورتِه تلكَ لا يفيدُ الظَّن الرَّاجح فحسب، بل هو مُفيدٌ للعلم النَّظريِّ (٢)، سواءً ما اتَّفقا عليه، أو ما انفرد كلُّ واحدٍ منهما به.

٤ - ومستنده في هذا الحكم إلى عصمةِ الأُمَّة من الاجتماع على خطأ.

٥ - ومِن ثمَّ استثنى من حكمه بالقطعِ أحاديثَ يسيرةً منهما تكلَّم فيها بعض أئمَّة الحديثِ، لخروجِها عن نِطاق الاتِّفاق السَّابق تقريره.

ومُراد ابن الصَّلاح بهذا التَّلقي ما كان محلُّه الأحاديث الَّتي سيقت لأصل موضوع الكتابين، أعني الأحاديث المَرفوعة المُسندة، فتخرج المُعلَّقات والمَوقوفات، ومتونُ الأبوابِ، دون التَّراجِم ونحوِها؛ لأنَّ في بعضِ الأخبار المَسوقة فيها ما ليس مِن ذلك قطعًا (٣).


(١) نقله عنه النووي في مقدمة شرحه على «صحيح مسلم» (١/ ٢٠).
(٢) العلم بمعناه الخاصِّ: هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، ومعنى كونِه (نظريًّا): أنَّه يحصل للإنسان بعد النَّظر والاستدلال لمن له أهلية النظر، وبالتالي فرَّقه ابن الصلاح عن المتواتر الذي يفيد (العلمَ الضَّروري) الذي يضطر الإنسان إليه دون نظر أو استدلال، انظر «التعريفات» للجُرجاني (ص/١٥٥)، و «نزهة النظر» لابن حجر (ص/٤٤ - ٤٥).
(٣) كأن يُخرج البخاريُّ -مثلًا- حديثًا لا يُبوِّب على جزءٍ مِن أجزائه، فهذا لا يكون مُفيدًا للعلمِ في هذا الجزءِ مِن الحديث، لأنَّ عدمَ تبويبه له أورث فيه شبهة، والقطعُ كان على جهة القرائن، وهذا قرينة على خلافه، انظر «مقدمة ابن الصلاح» (ص/٢٦)، وانظر مثال هذه القرينة المانعة في «فيض الباري» للكشميري (١/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>