للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الثَّاني: موافقة عامَّة العلماء لابن الصَّلاح على تلقِّي الأمَّة لأحاديث «الصَّحيحين» بالقَبول.

وافق ابن الصَّلاح على حكمه العامِّ لأحاديثِ الصَّحِيحين كثيرٌ مِن أئمَّة الفقه والحديثِ قبله، أقدمُ ما وَقفتُ عليه مِن كلامِهم مِمَّا يُخبرون فيه بتَلقِّي «الصَّحيحين» بالقَبول، يَبدأ عامَّتُه مِن القرن الخامسِ، أي بعد قُرابةِ قرنينِ مِن انتشارِ كِتابَيْ الشَّيخين، منهم:

أبو بكر الجَوْزَقي (ت ٣٨٨ هـ)، صاحب «المُستخرج على مسلم» (١).

ثمَّ أبو إسحاق الإسْفَرايِيني (ت ٤١٨ هـ)، وقد اشتُهِر عنه قولُه في رِسالتِه في «أصول الفقه»: «أهلُ الصَّنعة مجُمِعون على أنَّ الأخبارَ الَّتي اشتملَ عليها الصَّحيحان مَقطوعٌ بصحَّة أصولِها ومتونِها (٢)، ولا يحصُل الخلافُ فيها بحالٍ، وإنْ حَصَل، فذاك اختلافٌ في طُرقِها ورُواتها، قال: فمَن خالفَ حكمُه خَبرًا منها، وليس له تأويلٌ سائغٌ للخَبرِ، نَقَضنا حُكمَه؛ لأنَّ هذه الأخبار تَلقَّتها الأمَّةُ بالقَبول» (٣).

ثمَّ أبو نصر السِّجزيُّ (ت ٤٤٤ هـ)، الَّذي قال: «أجمَعَ أهلُ العلم الفقهاءُ وغيرُهم، على أنَّ رجلًا لو حلَف بالطَّلاقِ، أنَّ جميعَ ما في كتابِ البخاريِّ مِمَّا رُوي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قد صَحَّ عنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شكَّ فيه، أنَّه لا يحنَث .. » (٤).

ثمَّ أبو المعالي الجُويني (ت ٤٧٨ هـ) في قولِه: «لو حَلَف إنسانٌ بطلاقِ امرأتِه، أنَّ ما في كِتابي البخاريِّ ومسلمٍ مِمَّا حَكَما بصحَّتِه مِن قولِ النِّبي صلى الله عليه وسلم، لمَا ألزَمتُه الطَّلاقَ، ولا حنَّثتُه، لإجماعِ علماءِ المسلمينِ على صِحَّتِهما» (٥).


(١) نقل ذلك عنه ابن حجر في «النكت على ابن الصلاح» (١/ ٣٨٠)، ولم أقِف على عبارَتِه.
(٢) إطلاق الإسفراييني لهذا الحكم على كل حديث أخرجه الشَّيخان غير صحيح، وقد خالف بعض أهل الحديث في صحَّة بعض متونها كما سيأتي بيانه.
(٣) «النُّكت على ابن الصَّلاح» لابن حجر (١/ ٣٧٧)، و «فتح المغيث» للسَّخاوي (١/ ٧٢).
(٤) «مقدمة ابن الصلاح» (ص/٢٦).
(٥) «صيانة صحيح مسلم» لابن الصَّلاح (ص/٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>