للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أنَّ الواحدَ مِن العلماءِ إذا تعارض عنده حديثان، قد تَعذَّر الجمعُ بينهما بوجهٍ مستساغٍ مقبولٍ، فلا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يرجِّح قبولَ أحد الحديثين على الآخر، فيكونَ ردُّه للمرجوحِ تعليلًا له في واقعِ الأمر (١).

الحالة الثَّانية: أن يعجزَ عن التَّرجيحِ والقدحِ في واحدٍ منهما بعينِه، فلا يحصُل العلم بخبرٍ واحدٍ منهما على التَّعيين.

ومن ثمَّ فإنَّ المرجوح والمتوقَّف فيه -في كِلتا الحالتين السَّابقتين- يخرجان عمَّا تلقَّته الأمَّة بالقَبول أو اتَّفقوا على صحَّته، كونهما خارجين عن حيِّزِ الثُّبوت ومعنى الصِّحة مِن الأساس؛ إذ الفرضُ فيمن خلُص إلي هذا الموقف في هاتين الحالتين أن يكون جُملة مَن يُعتبر قولهم في الإجماع.

كلُّ ما في عبارةِ ابن الصَّلاح، أنَّه لم يُشر فيها إلى ما يُفهَم منه استيعابها لمضمونِ استدراكِ ابن حجرٍ، بل قصر الاستثناءَ ممَّا لا يفيد العلمَ على ما تنازع الحفَّاظ في حكمهم على أفرادِ الأحاديث، فأيَّما حديثٍ بعينِه لم نجد فيه كلامًا لأحدِ المُحدِّثين فالأصل أنَّه يفيد العلمَ بصحَّته عند ابن الصَّلاح، في حين أنَّ ابن حجر لاحظ في نفسِ ما لم يتكلَّم فيه الحُفَّاظ بعضَ ما يصدق عليه التَّعارض الَّذي ينفي عنها القطعيَّة، وقد أحسن في استثناءه ممَّا وقع الاتِّفاق على صحَّتِه فيفيد العلم، والله أعلم.


(١) انظر «نزهة النظر» (ص/٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>