للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أعلم في «الصَّحيحين» حديثًا توافقَ العلماءُ على ردِّه بتمامِه، لمعارضةِ حديث آخرَ له، مع استحالَةِ التَّوفيق بينهما، بأيٍّ وجهٍ من وجوه الجمعِ المُعتبرة: فلست أعلمُ له مثالًا صحيحًا، وأكثرُ ما يَستدعي التَّرجيح مِن أهل العلمِ في هذين الكِتابين، ما كان الاختلافُ فيهما بين بعضِ ألفاظِ الثِّقاتِ في خبرٍ صحيحٍ في أصلِه، وهذا واقعٌ في مسلمٍ أكثرَ منه عند البخاريِّ (١).

الفرع الرابع: ما استدركه ابن حجر على ابن الصَّلاح مِن استثناءِ ما وقع التَّعارض فيه عن إفادة العلمِ، من لوازم عبارة ابن الصَّلاح.

هذا؛ وقد ظهر لي في أمرِ ما استدركه ابن حجرٍ على ابن الصَّلاح مِن استثناءِ ما وقع التَّعارض فيه عن إفادة العلمِ؛ أنَّه داخلٌ باللُّزوم في مفهومِ عبارة ابن الصَّلاح من حيث الأصلِ المنهجي؛ وبيان ذلك:


(١) من أمثلة ذلك: ما أخرجه مسلم في (ك: الزكاة، باب: فضل إخفاء الصدقة، رقم: ١٠٣١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في السَّبعة الَّذين يظلُّهم الله يوم القيامة، وفيه: «حتَّى لا تعلم يمينه ما تُنفق شماله»، وهي قلبٌ لرواية الثقاتِ: «حتَّى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه».
وقد تكلف بعض المتأخرين الجمع بين هذه الرواية المقلوبة ورواية الجماعة من الثقات، يقول ابن حجر في «الفتح» (٢/ ١٤٦): «وليس بجيِّد، لأنَّ المخرج متَّحد».
وكرواية سعيد بن منصور عند مسلم أيضًا (ك: الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم:٢٢٠): «ولا يرقُون» بدَل: «ولا يكتوون»، وقد أنكر بعض الحُفَّاظ هذه الرِّواية وغلَّطوا راويها، واعتلَّوا بأنَّها تعارض ما جاءت به الأحاديث الأخرى في «صحيح مسلم» نفسِه وغيره: من أنَّ الرَّاقي قد أُذن له في ذلك، وأنه يُحسن إلى الَّذي يرقيه، فكيف يكون هو مطلوبَ التَّرك؟! أمَّا المسترقي فإنَّه يسأل غيرَه ويرجو نفعَه، وتمامُ التَّوكل المرادُ وصف السَّبعين ألفًا به ينافي ذلك.
انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١/ ١٨٢)، والمستدرك عليه (١/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>