للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتعذِّرات عادةً، كإقامة البيِّنة على دعوى الإجماع الَّذي جَزَمَ به أحمد بن حنبل وغيره أنَّ مَن ادَّعاه فهو كاذبٌ» (١).

والجواب عن هذا الاعتراض مِن عِدَّة أوجهٍ:

الوجه الأوَّل:

أنَّ العُمدةَ في نقلِ الإجماع في أيِّ فنٍّ مِن فنون الشَّريعة أو غيرِها إنَّما هي على أئمَّةِ ذاتِ الفنِّ وأربابِ الاستقراءِ فيه، فهم الأمَّة في صناعتهم! وأهل التَّخصُّص أخبرُ النَّاسِ بمَواطن الاتِّفاقِ والاختلافِ في جزئياتِ تخصُّصِهم فضلًا عن كُلِّياتِه، فلا يَضرُّهم جهلُ المُشتَغلين بغير شأنِهم أن يُعارضوهم، لخلوِّ نفوسِهم مِن الأهليَّة لذلك أصلًا، وإنَّما كان الواجبُ «على كلِّ مَن ليس بعالمٍ أن يتَّبع إجماعَ أهلِ العلم» (٢).

ولا يخفى على الدَّارسٍ لتاريخ السُّنةِ ومراحل تدوينِها، مُوافقًا كان لملَّةِ الإسلام أو مخالفًا، أنَّ علماء الحديث مِن أشدِّ النَّاس تدقيقًا في مَباحثِ تخصُّصِهم، وأكثرهِم استقصاءً لآراء أئمَّتهم فيما يُراد إصدار حُكم تأصيليٍّ أو فرعيٍّ فيه لو كان قضيَّةً دقيقةً، فما الظَّنُ بموقفِهم مِن قضيَّة جَليَّة شائعةٍ، قد بلغ مَداها الآفاق في الشُّهرة مثل «الصَّحيحين»؟!

والإجماع قد وَقَع من أربابِ العلومِ المختلفةِ والفنونِ المتنوِّعةِ، على كثيرٍ مِن مُصنَّفاتِهم؛ فما نحن فيه أوْلى بأن يَقع مِن أئمَّة الحديثِ قياسًا أوْلويًّا، فإنَّ لديهم مِن الدَّوافع الدِّينيَّة لأجل الاتِّفاق على الحقائقِ الشَّرعيَّة ما ليس عند غيرهم.


(١) «ثمرات النظر» للصنعاني (ص/١٣٢).
(٢) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١٨/ ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>