للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثَّاني:

قد يُستسهَل التَّوقُّف في اتِّفاقٍ نَقَله فردٌ مِن أفرادِ أهلِ العلم، خاصَّةً إذا ما كان معروفًا بالتَّساهل في هذا الباب، لكنَّ الأمرَ يعسُر إذا كان النَّاقل لحكاية الاتِّفاق أئمَّة أفذاذ، يتصدَّرهم أبو عمرِو ابن الصَّلاحَ؛ بل يصير مُستبعدًا بالمرَّة ونحن نتحقَّق أنَّ النَّاقلَ لم يَنفرد بحكاية ذلك، بل سَبَقه طوائف مِن أهل الفنِّ ولحِقه آخرون.

ونظرةٌ عابرةٌ في مَظانِّ هذه المسألة مِن كُتب الأصولِ أو المُصطلحِ، كفيلةٌ بإقناعِ النَّاظر أنَّ اختلافَ أربابِ هذه المصنَّفات إنَّما هو في ما يفيدهُ هذا التَّلقي مِن حيث مراتب التَّصديق، أمَّا حصول التَّلقي ذاتِه: فلم يختلفوا على الإقرار به، فضلًا عن إمكانِه من حيث الواقع، بل حكوه طَبَقةً بعد طَبقةٍ، وجيلًا بعد جيلٍ (١)، دون أن يَبرُز أحدٌ يُنكر هذه الدَّعوى، ويبيِّن زيفَها على مَدى هذه القرونِ المُتلاحقة؛ وهذا مِن أقوى الأدلَّة على صِحَّة ما قرَّره ابن الصَّلاح وموافقوه في حقِّ «الصَّحيحين».

الوجه الثَّالث:

لو تأمَّلنا جميلَ ما احتَّف بهذين الكِتابين مِن صفاتٍ تفرَّدا بها عن سائرِ كُتبِ الحديثِ قاطبةً، قد حازا بها مَرتبةً لم يحُزها أيُّ مُصنَّفٍ آخر في الأمَّة (٢)، كـ:

جلالةِ مُصنِّفيهما في الحديث روايةً ودرايةً، وتقدُّمهما على تمييز الصحَّيح على غيرهما، بشهادة أقرانِهما ومَن جاء بعدهما مِن أئمَّة الحديث (٣).


(١) لاشكَّ أنَّ هذه الصُّورة من النَّقل للتَّلقِّي متواترةٌ عن أهل الطَّبقات الأولى بعد الصَّحيحين، فينطبق عليها ما اشترطه الصَّنعاني في «توضيح الأفكار» (١/ ١١٩) لدعوى التَّلقي من نقلٍ متواترٍ عن أهل الطَّبقات الأولى بعد الصَّحيحين تقوم به الحجَّة على تلقِّيهم للكتابين بالقَبول، والنَّقل الآحاديُّ عنهم فلا تقوم به حجَّة ملزمة عنده.
(٢) استقصى د. خليل ملا خاطر مزايا الصحيحين على غيرهما من كتب الحديث في أربعة عشر مزية في كتابه «مكانة الصحيحين» (ص/٧٥ - ٨٧) وترجع في أغلبها إلى ما ذكرت، مكتفيا بما نص عليه علماء الحديث مما له صلة مباشرة بموضوع بحثي.
(٣) انظر «نزهة النظر» لابن حجر (ص/٥٢)، و «مكانة الصَّحيحن» لخليل مُلا خاطر (ص/٢١ - ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>