للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنَّهما أوَّل مُصَنَّفين في الحديث الصَّحيح المُجرَّد، فـ «لم يَتقدَّمهما إلى ذلك أحد قبلهما، ولا أفصح بهذه التَّسمية - يعني الصَّحيح - في جميعِ ما جمعه أحدٌ سواهما فيما علِمناه» (١).

وأنَّهما انتهجا في كتابيهما أدقَّ المناهج العلميَّة في انتقاءِ الصَّحيحِ، حتَّى عُدَّ ما كان على شرطهما أعلى مَراتب الصَّحيح (٢)، واتُّفِق «على أنَّ أصحَّ الكتُب المُصنَّفة صحيحًا: البخاريُّ ومسلم، واتَّفقَ الجمهور على أنَّ صحيح البخاري أصحُّهما صحيحًا وأكثرهما فوائد» (٣).

أقول: لو تأمَّلنا هذه المُميِّزات الَّتي بوَّأت «الصَّحيحين» تلكمُ المكانة الرَّفيعة عند خواصِّ أهل العلم وطَلبَتِه: عَلِمنا أنَّ كلَّ ميزةٍ منهنَّ، لو نُظر إليها بمُفردِها، لكانت كافيةً في شحذِ هِمَم العلماء في زمنِ الشَّيخين وبعدهما للنَّظر في كِتابيهما واختبارهما، تحقُّقًا من انطباقِ تلك المزيَّة الواحدةِ منهنَّ عليهما (٤)، وهذا -لعَمري- مِن الأسبابِ الَّتي هيَّأها الله سبحانه لكتابيهما حتَّى يشهدَ لهما أهلُ الاختصاص بالإتقانِ والقَبول.

يقول أبو عبد الله الحُميديُّ في سياقِ سردِه لمسيرةِ التَّصنيفِ الأوَّلِ في الحديث:

« .. واتَّصَل ذلك إلى زمانِ الإمامين أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ، وأبي الحسين مسلم بن الحجَّاج النَّيسابوريِّ -رضي الله عنهما وعنهم-، فخُصَّا مِن الاجتهادِ في ذلك، وإنفادِ الوُسع فيه، واعتبارِه في الأمصارِ، والرِّحلةِ عنه إلى مُتباعدات الأقطار، مِن وراء النَّهر إلى فُسطاطِ مصر، وانتقادِه حرفًا حرفًا، واختيارِه سَندًا سَندًا، بما وَقَع اتِّفاقُ النُّقادِ مِن جهابذةِ الإسنادِ عليه، والتَّسليم منهم له ..


(١) «الجمع بين الصحيحين» للحميدي (١/ ٧٣ - ٧٤)
(٢) انظر «شرح التبصرة والتذكرة» للعراقي (١/ ١٢٥).
(٣) «تهذيب الأسماء واللغات» (١/ ٧٣)، وانظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٠/ ٣٢١).
(٤) والصَّنعاني مع ذلك مُعترفٌ بما اختُصَّ به الصَّحيحان من عناية وبحث في كل ذرةٍ منهما من أئمَّة هذا الشَّأن، وما رُزقاه بذلك من حَظٍّ وقبول، انظر «ثمرات النَّظر» له (ص/١٣٦ - ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>