للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبادَرَت النِّيات المُوفَّقة على تباعُدها، مِن الطِّوائف المُحقِّقة على اختلافِها، إلى الاستفادةِ منهما، والتَّسليم لهما في علمِهما، وتميِيزهما، وقَبول ما شَهِدا بتصحيحِه فيهما، يَقينًا بصدقِهما في النِّية، وبراءتِهما مِن الإقبالِ على جهةٍ بحَميَّةٍ، أو الالتفاتِ إلى فئةٍ بعصبيَّةٍ، سوى ما صحَّ عمَّن أُمرنا بالرُّجوع إليه، والتَّعويل في كلِّ ما أخبرنا به عليه صلى الله عليه وسلم، حتَّى استقرَّ ذلك وانتشر، وسارَ مَسيَر الشَّمس والقمر» (١).

فليس اتِّفاقُ الأمَّةِ وعلمائِها على أصحيَّة الصَّحيحين وفضلِهما على سائرِ الكُتب مجرَّد صُدفة، ولاعن طَواطؤٍ ومُؤامرة، «فقد أعاذَ الله تعالى هذه الأمَّة التي اختارَها لحملِ دينِه وتبليغِ رسالتِه، مِن أن تكون فريسةَ غفلةٍ وغباوةٍ، وأن تجتمع على الضَّلال، بل كان ذلك إلهامًا مِن الله، ومُكافأةً على ما قام به مُؤلِّفا هذين الكتابين مِن جهادٍ في سبيل حفظِهما الأحاديث النَّبوية، ثمَّ تحقيقِها وتنقيحِها، ومعرفةِ رجالِها ورُواِتها، وكشفِ أستارِ الكذَّابين والوضَّاعين، وتميِيزِ الضُّعفاءِ والمَجروحين، ثمَّ في نقلِها ونشرِها في الآفاق، وجمعِها في مجموعةٍ مُهذَّبة مُنقَّحة» (٢).

فإذا تأمَّل المُنصِف ما حَرَّرته مِن هذه الخصال آنفًا، عظُم مِقدارُ هذين السِّفْرين في نفسِه، وجَلَّ تَصنيفهما في عينِه، وعذَرَ الأئمَّة مِن الهِندِ شرقًا إلى الأندلسِ غربًا أن تلقُّوهما بالقَبول والتَّسليم، وقدَّموهما على كلِّ مُصنَّفٍ في الحديثِ والقديم.

الوجه الرَّابع:

ربطُ الصَّنعانيِّ حكايةَ التَّلقِّي للصَّحيحين، بدعوى الإجماع الَّذي أنكره أحمد، هو في حقيقتِه ربطٌ بين مُتبايِنَين، والغَلط إذن قد تخلَّل كلامَه مِن جِهتين:


(١) «الجمع بين الصَّحيحين» (١/ ٧٣ - ٧٤) بتصرف يسير في آخره.
(٢) «نظرات على صحيح البخاري» (ص/٢٢) بتصرفٍ يسير، وأصلُه مَقالةٌ قدَّم بها أبو الحسن النَّدوي كتابَ «لامع الدَّراري» للكاندهلوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>