للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجِهة الأولى: مِن جهة اعتراضِه باحتمالِ وجود الإنكار (١):

وذلك حين ربْطِه بين حِكايةِ التَّلقِّي للصَّحيحين بالقَبول وبين الإجماع الأصوليِّ الَّذي يرى تعذُّرَ العلمِ به بعد زمنِ الصَّحابة رضي الله عنه، لتفُّرقِ العلماء في الأمصارِ (٢).

وقول الصَّنعانيِّ في تحجير الإجماع ومنع تحقُّقه ضعيفٌ عند جمهور الأصوليِّين، وليست هذه الوُريْقات محلًّا لنقضه (٣)؛ فإنَّ ابنَ الصَّلاح وعلماء الحديث والأصول معه حين تكلَّموا عن موضوعِ الاتِّفاق على صحَّةِ «الصَّحيحين»، إنَّما عبَّروا عن ذلك بلفظِ (التلقِّي مِن الأمَّة بالقَبول)؛ وهذا إجماعٌ خاصٌّ سبيله التَّتبع والاستقراء، يَصِحُّ بمُجرَّد شُهرةِ الحديثِ الصَّحيحِ بين أئمَّةِ الحديث، دون إنكارٍ أو إظهارِ عِلَّةٍ تمنع القولَ بصحَّتِه ولو مِن واحدٍ (٤)؛ وهذا النَّقد يمتدُّ في ظرفٍ زمنيٍّ مُتَّسِعٍ، بلَغَ في حقِّ الصَّحيحين قرونًا من الزَّمن (٥).

وحُكم أهلِ العلمِ إذا تَكرَّر على ما عَمَّت به البَلوى واشتُهِر أمرُه، وتَكرَّرَ


(١) مِمَّن ذكر هذا النوع من الاعتراض على الاستدلال بالإجماع الأصوليِّ: أبو المعالي الجويني في «البرهان» (١/ ٢٧٢)، وابن عقيل في «الجدل على طريقة الفقهاء» (ص/٣٨).
(٢) انظر «مزالق الأصوليين» للصنعاني (ص/٦٣)، وهو مذهب الظَّاهريَّة وكثيرٍ من أهل الأصول، انظر «النُّبذة الكافية» لابن حزم (ص/١٩ - ٢٠)، و «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ٢٨٢).
(٣) وقد روَّج لشُبهتِه هذه حول الإجماع بعض المُعاصرين، مِن أشهرهم أحمد شاكر، كما تراه في رسالته «نظام الطلاق في الإسلام» (ص/٦٧) حيث حصر الإجماع الصَّحيح في الأمور المعلومة من الدِّين بالضَّرورة!
(٤) انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١٨/ ٤٤).
(٥) مِن الجَدير لفتُ النَّظر إليه: أنَّ الشَّوكاني مع كونِه موافقًا لقولِ الصَّنعاني بتعذُّر العلمِ بالإجماع الأصوليِّ على فرعٍ فقهيٍّ معيَّن في الأزمان المتأخرَّة، واضطرابه في هذا الباب أحيانًا، كان أدرى بحقيقةِ لفظِ التَّلقي عند أهل الحديث مِن بلديِّه الصَّنعاني، ولهذا لم يتوارَ عن إثبات تلقِّي الأمَّة للصَّحيحين بالقبول، وإثبات الإجماع على صحَّتهما، والأخذ بلازِم ذلك من جِهة التَّصديق بجملتهما، كما تراه في كتابيه «أدب الطلب» (ص/٢٠٦) و «إرشاد الفحول» (ص/١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>