للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ التَّلقي للكتابين بالقَبول إنَّما هو لما تضمَّناه من أخبار مُسندةٍ مرفوعة في الجملة، لا لكلِّ حرفٍ أو لفظٍ فيهما على حِدة، فهذا ليس إلَّا للقرآنِ الكريم، فهو الَّذي قبوله فرضٌ على الأعيانِ بحروفِه وألفاظِه؛ وجميعُ أهلِ العلمِ بالحديثِ، إنَّما يجزمون بصحَّةِ جمهورِ أحاديثِ الكِتابين، لا بكلِّ حرفٍ فيهما.

فالصَّواب أن نقول: إنَّ (جمهورَ) متونِ «الصَّحيحين» مَعلومةُ الصِّحة مُتقنة، تلقَّاها أهل العلم بالحديثِ بالقَبول والتَّصديق، وأجمعوا على صِحَّتها، وأنَّ فيهما ما هو مَعلول الإسناد والمتنِ معًا، لكنَّه قليلٌ جدًّا، وهذا ما ذكره أبو عمرو ابن الصلَّاح ومَن قبله، كالحافظِ أبي طاهر السِّلفي وغيره (١).

وبهذا نعلمُ أنَّ ما وَرَد عن بعض العلماءِ مِن تعميمِ هذا الاتِّفاقَ على كلِّ حديثٍ فيهما، كما تراه في دعوى الدِّهلوي (ت ١١٧٦ هـ): «الصَّحيحان قد اتَّفقَ المُحدِّثون على أنَّ جميعَ ما فيهما مِن المتَّصلِ المَرفوعِ صحيحٌ بالقطعِ» (٢)؛ وكذا قولِ أحمد شاكر (ت ١٣٧٧ هـ): «أحاديث الصَّحيحين صحيحةٌ كلُّها، ليس في واحدٍ منها مَطعنٌ أو ضعفٌ» (٣)؛ فضلًا عمَّا تَقدَّم مِن عبارةِ الإسفرايِيني في زعمه صحَّة كلِّ ما اشتَمَل عليه الكِتابين: فهذا منهم نوعُ تساهلٌ، مُؤدَّاه الغَلط وعدم الدِّقة في العبارة؛ والأوْلى أن يُستثنى مِن جملة الاتِّفاق ما قدَّمنا شرحَه آنفًا.

وهذه الدِّقة في الاحتراز هي ما تراه في مثلِ قولِ السَّخاوي: «إنَّ الَّذي أوردَه البخاريُّ ومسلم، مُجتَمعين ومُنفَرِدين، بإسناديهما المُتَّصِل، دون ما سيأتي استثناؤُه مِن المُنتَقد والتَّعاليقِ وشِبههما: مَقطوع بصِحَّتِه» (٤).

وختامًا؛ نستطيع بعد ما مضى في هذا المَطلب كلِّه أن نسوغ جُملًا مُختصرةً تَلُمُّ شعثَ ما تَقدَّم مِن الأدلَّة، في ما يَتعلَّق بالموقفِ العلميِّ مِن دعوى الإجماعِ على «الصَّحيحين»: في كونِ الإجماعِ على صحَّةِ جمهورِ أحاديثِ «الصَّحيحين»


(١) «جواب الاعتراضات المصرية» (ص/٤٦).
(٢) «حجة الله البالغة» (١/ ٢٣٢).
(٣) تعليقه على «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (١/ ١٢٤).
(٤) «فتح المغيث» (١/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>