للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرباب الكلامِ وإن كانوا ذوي حِجاج في نُصرةِ أصول الدِّين، فقد ضَعُفت قلوب كثيرٍ منهم -وبخاصَّة المتأخرُّون- عن تقبُّلِ كثيرٍ مِن الصِّحاح، جرَّاء إقبالِهم على نحاتةِ الأفكار الفلسفيَّة، حتَّى فقدَ أكثرُهم المِعياريَّة العلميَّة الصَّحيحة في نقدِ الأخبار، حتَّى إذا أُورِد على بعضِ أصولِهم حديثٌ صحيحٌ عند المُحدِّثين، أوَّلوه إن وَجدوا تأويلَه قريبَ المَأخذ، وإلَّا رَدُّوه (١).

فكانوا في جملتهم غايةً في ضعفِ المعرفةِ بالأحاديث، لا يحصل لهم العلمُ بمَخبرِها بسبب ذلك، «وتجدُ أفضلَهم لا يعتقدُ أنَّه رُوِي في البابِ الَّذي يتكلَّم فيه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ، أو يظنُّ المَرويَّ فيه حديثًا أو حديثين، كما تجده لأكابرِ شيوخِ المُعتزلة، مثل أبي الحسين البصري، يعتقد أنَّه ليس في الرُّؤيةِ إلَّا حديثًا واحدًا! وهو حديث جرير رضي الله عنه، ولا يعلم أنَّ فيها ما شاء الله مِن الأحاديث الثَّابتة المتلقَّاة بالقبول» (٢).

فإنكارُ مثلِ هؤلاءِ لِما عَلِمه وقَطَع به أئمَّة الحديث، أقبحُ من إنكارِ ما هو مَشهور من مذاهبِ الأئمَّة الأربعة عند أتباعهم (٣).

وحاصل القولِ في هذا الوجه: أن لا اعتداد على صدقِ حديثٍ وعدم صدقِه إلَّا بأهلِ العلم بطُرق ذلك، وهم علماء الحديثِ، العالمِون بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الضَّابطون لأقواله وأفعاله، العالمون بأحوالِ حَملة الأخبار، فإَّن علمَهم بحال المُخبِر والمخبَر عنه، ممَّا يعلمون به صدقَ الأخبار، وسائر النَّاس تَبَع لهم في معرفة الحديثِ.

الوجه الثَّالث:

أنَّ سؤال الصَّنعاني عن هذا التَّلقِّي لِما في «الصَّحيحين»، هل هو لكلِّ فردٍ من أحاديثهما؟ جوابه أن يُقال:


(١) انظر «توجيه النظر» (١/ ٣١٨).
(٢) «جواب الاعتراضات المصرية» (ص/٣٧).
(٣) انظر «مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ص/٥٤٩)، و «نخبة الفكر» لابن حجر (ص/٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>