للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهلُ الكلامِ -في الجملة- مِن هذا الصِّنف المُهمَل قولُهم في هذا الفنِّ، إذ لم يَستوفوا شروطَ الاجتهاد فيه؛ فإن وُجِد منهم مَن شَغَله علمُ الأصول وبرَّز فيه، فشأنُ الأصوليِّ الصِّرفِ البحثُ في مَراتب ثبوت النُّصوص مِن جِهة التَّأصيل، أمَّا أن يحكم بمرتبة مِن تلك المراتب وصفًا لحديثٍ بعَينِه، فهذا لا يكون إلَّا للعَالِم بالحديثِ (١)؛ نظيرَ قولِهم «أنَّ تحقيقَ المَناطِ مِن صناعةِ الفقيه المُجتهد، لا مِن تحقيقِ مَسائلِ الأصولِ في ذاتِها» (٢).

وفي تقرير هذا الوجه من الجواب، يقول أَبوالمظَفَّرِ السَّمعاني (ت ٤٨٩ هـ):

«اتَّفَقَ أهلُ الحديثِ أنَّ نقدَ الأَحاديثِ مَقْصورٌ على قومٍ مخصوصين، فما قبِلوه فهو المَقبول، وما رَدُّوه فهو المردود؛ وهم: أَبو عبد الله أحمد بن حنبل الشَّيباني، وأَبو زكريَّا يحي بن مَعين البغدادي، وأبو الحسن علي بن عبد الله المديني، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي .. وجَماعةٌ يكثُر عدَدُهم ذَكَرَهم عُلماءُ الأُمَّةِ.

فهؤلاء وأَشْباههم أهل نَقدِ الأحاديث وصيارفَةُ الرِّجالِ، وهم المَرجوعُ إليهم في هذا الفنِّ، وإليهم انتهَتْ رِئاسةُ العِلمِ في هذا النَّوعِ؛ فَرَحِمَ الله امرءًا عَرَف قَدْرَ نَفْسِهِ، وقدرَ بضاعته مِن العلم، فيطلبَ الرِّبحَ على قَدْره» (٣).


(١) فلا يدخلون في الخلاف الحاصل بين الأصوليِّين في اعتبار عدالة المُجمِعين من عدِمها -والابتداعُ فرع عن هذه المسألة- لأنَّ الَّذين اعتبروا قولَ غير العدول في الإجماعِ، اشترطوا بلوغهم درجة الاجتهاد في العلم المُتكلَّم فيه، وقلَّ أن يوجد في أهل الكلام من يفهم الحديث على طريقته.
انظر «الموافقات» للشاطبي (٥/ ٢٢١ - ٢٢٢)، و «المهذب في علم أصول الفقه المقارن» لـ د. النملة (٢/ ٨٧٤).
(٢) من تعليق محمد عبد الله الدرَّاز على «الموافقات» للشاطبي (١/ ٢٧ - حاشية ٢).
(٣) «قواطع الأدلَّة» للسَّمعاني (١/ ٣٦٩ - ٣٧٠).

وأبو المظفَّر السَّمعاني: هو منصور بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار التَّيمي المروزي، مُفتي خُراسان وشيخ الشَّافعيَّة، من المنتصرين للسُّنَّة، مِن تصانيفه: «البرهان»، و «الأمالي» في الحديث، انظر «أعلام النبلاء» (١٩/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>