للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منذ عصر التَّدوين إلى اليومِ، ليس صحيحًا على وجعِ القطعِ، بل هو صحيحٌ فقط على شروطِ أهل العلم، الشُّروط الَّتي وَضَعها وخَضَع لها المُحدِّثون والفقهاء والمُفسِّرون والنُّحاة واللُّغويُّيون الَّذين عاشوا في عصرِ التَّدوين، ما بين مُنتصف القرن الثَّاني، ومُنتصف القرن الثَّالث للهجرة» (١).

فما هذا الكلام إلَّا علقمٌ من مشروعٍ أقامه المستشرقون في دراستهم للسُّنة، ونُقرُّ لهم بنجاح تسريبِ كثيرٍ مِن أحكامِهم البَحثيَّة وإنفاذِها في عقولِ جمهرةٍ مِن المُثقَّفين المُحْدَثين؛ كتلك الإشكالات الفنيَّة المتعلِّقة بالتَّدوينِ، وتحريفِهم لمفهوم بعض المصطلحات كـ «السُّنة»، وقضيَّة اختلاطِ الأحاديث بالإسرائيليَّات .. إلخ؛ ومِن أكثر ما راج لهم مِن ذلك في القرنين المنصرمين: مَقولُهم بإغفال المُحَدِّثين لنقدِ المُتونِ في توثيقِهم للأحاديث (٢).

كان مِن أوائل من هوَّش بهذه التُّهمة عليهم مستشرق إيطاليٌّ يُدعى «كايتاني» Caetani» (٣) ؛ تَضمَّنت فقرةٌ مِن كتابه «الحَوْلِيَّات الإسلاميَّة» (٤) زبدةَ ما خلُصَ إليه في هذا الباب، وهي قوله: «كلُّ قَصدِ المحدِّثين ينحصر ويتركَّز في وادٍ جدبٍ مُمحِلٍ مِن سَردِ الأشخاص الَّذين نَقلوا المَرويَّ، ولا يشغل أحدٌ نفسَه بنقدِ العبارة والمتنِ نفسه! .. »؛ ثمَّ خمَّن عِلَّة هذه الغفلة منهم بقوله: « .. إنَّ المحدِّثين والنُّقادَ المسلمين لا يجسرون على الاندفاعِ في التَّحليل النَّقدي للسُّنة إلى ما وراء الإسناد، بل يَمتنعون عن كلِّ نَقدٍ للنَّص، إذ يرَونه احتقارًا لمَشهوري الصَّحابة، وقِحةً ثقيلةَ الخطَرِ على الكَيانِ الإسلاميِّ» (٥).


(١) «تكوين العقل العربي» (ص/٦٤).
(٢) انظر «المستشرقون والسنة» لسعد المرصفي (ص/٢٤).
(٣) ليوني كايتاني: مستشرق إيطالي، اشتهر بكتابه «الحوليات»، وهو أوسع تاريخ استشراقي لعهد النبوة والخلفاء، توفي (ت ١٩٣٥ م)، انظر «موسوعة المستشرقين» للبدوي (ص/٤٩٣).
(٤) «المستشرقون والحديث النبوي» لمحمد بهاء الدين (ص/١٢٩).
(٥) «دائرة المعارف الإسلامية» (مادة: أصول، المجلد الثاني، هامش ٢٧٩)، وانظر «المستشرقون والحديث النبوي» لـ د. محمد بهاء الدين (ص/١٢٩ - ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>