للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أنَّ المرجعيَّة الاستشراقيَّة قد تركَّزت قبله في استقاء ما صَوَّبه (جولدزيهر) إلى منهج المحدِّثين مِن مَعاوِل النَّقض (١)؛ فكانت مُؤلَّفات هذا المَجَريِّ هي الأكثرَ تَداوُلًا في هذا الفنِّ بين الدَّارسين (٢)، وهو كسالِفه (كايتاني) يعتبرُ «أنَّ نقدَ الأحاديث عند المسلمين قد غَلَب عليه الجانب الشَّكلي منذ البداية، وأنَّه لا يخضع للنَّقدِ إلَاّ الشَّكل الخارجيُّ للحديث.

ذلك أنَّ صِحَّة المَضْمون عندهم مُرتبطة أوثق الارتباط بنقد سلسلة الإسناد، فإذا استقامَ سَنَد حديثٍ لقواعد النَّقد الخارجيِّ، فإنَّ المتن يُصَحَّح، حتَّى ولو كان مَعناه مُجانبًا للواقع، أو احتوى على مُتناقضات، ويكفي للإسناد أن يكون مُتَّصل الحلقات، وأن يكون رواتُه ثقاتٍ، اتَّصل الواحد منهم بشيخه، حتَّى يُقبل مَتن مَرويِّه» (٣).

وقد جاء بعد هؤلاءِ مَن خَصَّ البخاريَّ صراحةً بهذه الفِرية، فأقحمَه في زمرةِ المُتهالكين على الإسنادِ من غير تفهُّمٍ، كالَّذي زعمه المستشرق (ألفريد كيُوم) (٤) فيه بقوله: «مَتى ما اقتنعَ البخاريُّ بتحديدِ بحثِه في سلسلةِ الرُّوَاةِ


(١) ككِتاباتِه المُضمَّنه في الجزءِ الثَّاني مِن كتابه «دراسات إسلاميَّة»، حيث خصَّص نصفه الأوَّل عن علم الحديث وتاريخه وتطوُّره، وهذا الجزء طُبع سنةَ ١٨٩٠ م، وكتابه الآخر «مذاهب التَّفسير الإسلاميِّ»، المترجم إلى العربيَّة باسم «العقيدة والشَّريعة في الإسلام، وهو في أساسه مجموعة محاضرات ألقاها أمام اللجنة الأمريكية للمحاضرات في تاريخ الأديان، والكتاب طبع سنة ١٩٤٦ م، وانظر مقدمة المترجمين للكتاب (١/ ٥).
(٢) تولي هذه الدعوى جماعة غير (جولدزيهر)، منهم (نيكولاس أغنائدس) و (وِليام مُوير) و (إسبرنجر)، انظر مقالاتهم في «الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية» لـ د. ساسي الحاج (ص/٥٨٥ - ٦٣٠)، و «منهج النقد عند المحدثين» لـ د. محمد مصطفى الأعظمي (ص/١٢٨ - ١٤٩).
(٣) «الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث» لمحمد حمزة (ص/٢١٠).
(٤) ألفريد كيوم: إنجليزي معاصر، اشتهر بالتعصب ضد الإسلام، حاضر في جامعات انجلترا وأمريكا، وتغلب على كتابته وآرائه الروح التبشيرية، من كتبه (الإسلام)، يقول محمد البهي: «من المؤسف أنه تخرَّج عليه كثير ممن أرسلتهم الحكومة المصرية في بعثات رسمية للخارج لدراسة اللغات الشرقية!»، انظر ترجمته في كتاب هذا الأخير «المبشرون والمستشرقون في موقفهم من الإسلام» (ص/٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>