للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما حظيَ به القسم الأوَّل من عناية المُحدِّثين، وهو ما حدا بالباحثين المُحْدثين إلى توجيه نقدِهم إلى هذا الخلل في منهج المحدِّثين» (١).

غير أنَّ فئةً مِن أذنابِ المُستشرقين تُصرُّ على أن تفهم مِن عبارات المُستشرقين نفيَ نظرِ المُحدِّثين في المتونِ بالمرَّة، حتَّى ما تَعلَّق بالشُّذوذِ واختلافِ الألفاظ! وأنَّهم يتَعبَّدون بالحديثِ لمُجرَّد وثاقةِ رواتِه واتِّصالِ سنده! فيَتَعلَّقون في هذا الفهم بمثل فقرةٍ للمستشرق (كايتاني) قال فيها: «إنَّ المحدِّثين لا يجسُرون على الاندفاعِ في التَّحليلِ النَّقدي للسُّنة إلى ما وراء الإسناد، بل يَمتنعون عن كلِّ نقدٍ للنَّص» (٢).

ولا أخالُ أحدًا أشهرَ مِن (أبو ريَّة) في إشاعةِ هذا التَّعميم الظَّالم في حقِّ المُحدِّثين، فقوَّلهم ما لم يقولوا حين زعم تنكُّبهم عن «غَلَطِ المتون، فهم يقولون: مَتَى صَحَّ السَّند صَحَّ المتن» (٣).

وعلى هذا المنوالِ في الفِرَى جرى (إبراهيم فوزي) في قوله عن المُحدِّثين: «يعتبرونَ نقدَ المتن لا يجوز البحثُ فيه متَى صحَّ الإسناد، فابتعدوا عنه» (٤).

فهذا التَّصوُّر السَّيء لمنهج المُحدِّثين انسحب على عَمل البخاريِّ ومسلمٍ في صحيحيهما، فلم يُتوَرَّع عن إلزاقِ هذه التُّهمة بهما بالتَّبع، إذ كانا في نَظرِ المُعترضين لا يَعدُوان العناية «بالتَّحقيقِ في السَّند، وبَنيَا صَحيحَيهما على شروطِهما فيه، أو على ما صَحَّ عندهما مِن الإسناد، فإذا صَحَّ الإسناد وكان رجالُه ثِقاتًا في حكمِهما عليهم، كان مَتنُ الحديث صَحيحًا، بمعنى أنَّه ممَّا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهِ التَّحقيقِ» (٥).


(١) «الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي المعاصر» (ص/٢٠٩).
(٢) من حاشية الخولي على «أصول الفقه المحمدي» لشاخت (ص/٦٥ - ٦٦).
(٣) «أضواء على السنة المحمدية» (ص/٢٥٨).
(٤) «تدوين السنة» لإبراهيم فوزي (ص/١٦٦ - ١٦٧) بتصرف يسير.
(٥) «قراءة في منهج البخاري ومسلم في الصحيحين» للأدهمي (ص/٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>