للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتلك المَقولة من (محمود أبو ريَّة) -هو ومَن تأبَّطَها معه- لا يستحيي من الإعلان بها، وهو يَعلمُ يقينًا بأنَّ علم «مصطلح الحديث» زاخرٌ بمباحثِ الشُّذوذِ والاضطرابِ، والقَلْبِ، والإدراج، والعِلَل، ومختلف الحديث، وهذه كلُّها من مَباحث المتون؛ ويعلم أنَّ علماءَ الحديثِ قد أوْلَوا هذه المَباحث المَتنيَّة حَيِّزًا في مُصنَّفات العِلَل والتَّخاريج.

هذا الإقرار تجده في مثل قولِ (كايْتَاني) نفسِه: «إنَّ المحدِّثين صرَّحوا أنَّه لا يلزم من صحَّة السَّند صحَّةُ المتن، فكانوا صريحين في عدم ربط السند بالمتن بالقبول والرفض، وإن كل واحد منهما وحدة مستقلة لإجراء النقد والتحليل عليه، وإن هناك أشياء تؤثر على المتن مع صحة السند كالشُّذوذ ووجود علَّةٍ في المتن» (١).

فالَّذي أفهمه من هذا الكلام، أنَّ المُستشرقين المُعتنين بموضوع الحديث، يريدون مِن إطلاقِ هذا النَّفيِ للنَّظر المَتنيِّ عن المُحدِّثين: نفي النَّظر إلى مَعقوليَّة معاني المتون في نفسها، ومدى انتفاء المُعارضات الحِسيَّة والتَّاريخية ونحوها عنها؛ ولكن كثيرٌ من المُثقَّفين العرب انساقوا وراء تلك الإطلاقاتِ مِن غير وَعيٍ تامٍّ بحقيقتها وسِياقاتها، فوقعوا في كذبٍ مفضوح على المُحدِّثين؛ ولعلَّهم تقصَّدوه من باب التَّهويلِ في التَّوصيفِ! تشنيعًا وتصغيرًا لأقدار المُحدِّثين في نظرِ النُّخَب المُثقَّفة المُسلِمَة.

فلهذا أجِدُني مُستثقِلًا بعضَ كتاباتِ الإسلاميِّين مِمَّن تَعنَّى الردَّ على المستشرقين وأفراخِهم في هذا الباب، وهم يَستجلبونَ رُكامًا مِن أمثلةِ نقدِ المُحدِّثين لألفاظِ المتونِ، زيادةً، ونقصًا، وتفرُّدًا، واضطرابًا .. إلخ، ممَّا يذكره العلماء في كُتبِ «المصطلح»، مِمَّا يعلمه المُستشرقون قبلهم (٢)؛ فهذا عندي


(١) انظر قوله في «دائرة المعارف الإسلامية (٢/الهامش ٢٢٩ - الخولي).
(٢) كما ترى هذا الصنيع -مثلا- عند عبد الله الخطيب في كتابه «الرد على مزاعم المستشرقين: جولدزيهر وشاخث» (ص/٣٦)، وصالح رضا في «النظر في متن الحديث في عصر النُّبوة» (ص/٣٧٨) وغيرهما كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>