للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحديثهِم إسنادٌ، وإنمَّا هي صُحف في أيديهِم، وقد خَلطوا بكُتبِهم أخبارَهم، وليس عندهم تَمييزٌ بين ما نَزَل مِن التَّوراة والإنجيل ممَّا جاءهم به أنبياؤهم، وتمييز بين ما ألحقوه بكُتبهِم من الأخبار الَّتي أخذوا عن غير الثِّقات» (١).

فلعلَّك قد لمحتَ السِّرَ في تركُّز أغلبِ شُغلِ الأوربِيِّين النَّقديِّ على دراسةِ متونِ الرِّوايات التَّاريخيَّة، وتحليلِها بمعايِير استحدثوها تُقرِّبهم فيما يظنُّون إلى صورة ماضيهِم قدرَ الإمكانِ، لانعدامِ تَسلسُلِ الشُّهودِ الموصِلِ إلى الصُّوَر التَّاريخيَّة المُتوخَّاة (٢)؛ فلم يكن لهم مِن خيارٍ لتضييقِ هذه الفجوةِ إلَّا باللُّجوء إلى التَّخيُّلِ في استعادةِ تلك الصُّور التَّاريخيَّة، وتمحيص الأخبارِ بالنَّظر العقليِّ في ما تفيده، والاعتماد على شهودٍ غير مُباشِرين للأحداث (٣).

فذاك السَّند الرِّوائيُّ الإسلاميُّ حين افتقَدَه المنهجُ الغَربيُّ في دراستِه للوثيقة المدوَّنة، اضطرَّ إلى «الفَرْضِ والتَّخمين، لمعرفةِ أصولهِا ومصادِرها القديمة» (٤)، مِمَّا كان له الأثر السَّلبي على ذات المنهجِ وتأخرِّ نضجِه، بقيت لأجله طبيعةُ المعرفة التَّاريخيَّة عند أربابِه ضعيفة، والوصول إلى درجاتِ اليقينِ عندهم ضَئيلةٌ، والقدرة على المُحاكَمات التَّفصيليَّة تكاد تَنعدم.

ثمَّ إنَّ هذا المنهج الغربي الحديث -مع ذلك- مَنهجٌ مُجمَلٌ غير مُتخصِّص، موضوع لجميع الدِّراسات التَّاريخيَّة على حَدٍّ سَواء، ما يجعله غير فعَّالٍ في بلوغِ الحقائق على وجه الدِّقة (٥).


(١) «شرف أصحاب الحديث» للخطيب البغدادي (ص/٥٩).
(٢) «منهج النقد عند المحدثين» لـ د. أكرم العمري (ص/٤٩).
(٣) انظر «دراسات تاريخية» لأكرم العمري (ص/٢٧).
(٤) انظر «منهج النقد التاريخي الإسلامي والمنهج الأوروبي» لعثمان موافي (ص/١٧٤).
(٥) «المدخل إلى الدراسات التاريخية» (ص/٦ - ٢٥)، و «المنهج النقدي عند المحدثين وعلاقته بالمناهج النقدية التاريخية» (ص/٨٩،٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>