وهو وإن اتَّفق مع منهجِ النَّقدِ الحَديثيِّ الإسلاميِّ في أصولِ النَّظر التَّاريخي العامِّ، إذ كلاهما مُرتَكزٌ على مُقدِّماتٍ عقليَّةٍ متَّفق عليها: إلَّا أنَّ قُصارى مَبلغ أولائكَ رَسْمُ خطوطٍ عَريضةٍ لنقدِ التَّواريخ، دون مُراعاةٍ لاختلافِ طَبائعها.
وهذا بخلافِ ما تَفتَّقت عنه عبقريَّة المُحَدِّثين، حيث تواردت عقولهم على ابتكار مَنهجٍ نقديٍّ يخصُّ مَجالًا تاريخيًّا بعينِه، مَحصورٍ في التَّاريخ النَّبَوي ومُتعلِّقاته، الزَّاخرِ بالشَّواهدِ والوثائقِ، لم تعرف له البشريَّة سميًّا في العناية والصِّيانة والاهتمام والنَّشر؛ ما أسهم في تهيئة منهج المحدِّثين للاكتمالِ، وتوفير الأدوات المناسبة لنقده، وضبطِه بقواعدَ يصلح تطبيقها على جميعِ جزئيَّاتِ هذا التَّاريخ.
ممَّا أبطأ بمنهج الغربيِّين أن يَصلَ إلى المحاكماتِ التَّفصيليَّة الَّتي وَصَل إليها المُحدِّثون (١).