للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنهجيٍّ لاحظوه مِن مجموعِ أدلَّة الشَّرْع، وهو أنَّ «اعتقاد الاستشكال لا يَستلزِمُ البُطلان» (١).

فقد يرى المُحدِّث الحديثَ مُشكلًا في ذهنِه، متشابهًا له في فهمِه، لكنَّه على بالٍ بأنَّ الخَلل في ظَنِّ البطلانِ أكثر جدًّا مِن الخللِ في الأحاديثِ الَّتي يرويها الثِّقات، وأنَّه لا يلزم مِن هذا المُشكل عليه أن يكون كذلك عند غيرِه؛ فإنَّ كثيرًا ما يَستشكل أحدُهم آيةً أو حديثًا، فيأتي من يُجلِّي وجهَ هذا الإشكالِ، ويَكشف الشُّبهة بمزيدِ مُوضِحاتٍ فَتَح الله بها عليه (٢).

فإذا ما استبانَت في المتنِ عِلَّة قادحة واضحة، ورَكنَتْ إلى إثباتها نفسُه بعد أن يكون قد استوفى النَّظر في ما قد يرفعها؛ فحينئذٍ لا يجوز له أن يُقصِّرْ فيما يُطلَب منه، فيجوز له تعليل الحديث مِن جهة المتن بخاصَّة، «كما أنَّ غيرَه له أن يَتَعرَّض للنَّقدِ مِن جهةِ المتنِ إذا ظَهَر له ما يُوجِبه، فله هو ذلك إذا ظَهرَ له ما يُوجِبه، بل هو أرجحُ مِن غيره» (٣).

ولقد تَعَرَّض كثيرٌ مِن أئمَّةِ الحديثِ للنَّقدِ مِن جهةِ المتنِ، والَّذي يَعْنِينا من ذلك: إثباتُ نماذج في ذلك مِن تطبيقاتِ البخاريِّ ومسلمٍ، وذلك لتكتملَ الصُّورة في ذهنِ القارئِ لطبيعةِ نقدِ المُحدِّثينَ مِن تطبيقاتِ عَلَمَيْنِ شامِخيْن مِن أسْيادِهم، وليَزولَ الارتيابُ بعدُ عن المنهجِ العِلْميِّ الَّذي اعتمده الشَّيْخان في نقدِ المتونِ على وَجهِ الخصوص، فتُستَأصلَ حُجَّة مَن يدَّعي تَباعُدهما عن نقدِ المتونِ مِن جذورِها، وتكُفَّ يَدُ الجهالةِ عن تشطيبِ ما لم يَرُقها مِن أخبارِ كِتابَيْهما.


(١) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٢٩٣).
(٢) انظر قريبا من هذا المعنى «دفاع عن السُّنة ورد شبه المستشرقين» لمحمد أبو شهبة (ص/٤٣)، علي أنَّه أخطأ في بعضِ التَّمثيل لهذه الأحاديث المتشابهة غير مفهومةِ العبارة، كجعله أحاديث الصِّفات الإلهيَّة من هذا الصِّنف لأجل استحالة ظاهرها في نظره، والمخرج الَّذي ارتآه من هذا الإشكالِ هو تفويض علم حقيقة هذه الأحاديث إلى الله عز وجل، أو تأويلها بما يوافق العقلَ وما أُحكم من النَّقل.
(٣) «توجيه النَّظر» (٢/ ٧٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>