للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواحدة، بحسبِ ما ثبَت مِن كُليَّاتها وجزئيَّاتها المُرتبَّة عليها، وعامِّها المُرتَّبِ على خاصِّها؛ ومُطلقِها المحمولِ على مُقيَّدها، ومُجملها المُفسَّر بمُبيِّنها، إلى ما سِوى ذلك مِن مَناحيها؛ فإذا حَصَل للنَّاظر مِن جُملتها حكمٌ مِن الأحكام، فذلك هو الَّذي نطَقت به حين استُنطِقَت» (١).

فلِذا كان مِن الغَلَطِ المُحَقَّق حين تَناول النَّص تجريدُ اللَّفظِ مِن تركيبِه وسِياقِه ومَذهبِ المُتكلِّم به، ثمَّ قَصْرُ الظَّاهرِ على ما يَتبادَرُ مِن اللَّفظ مُجرَّدًا عن هذا كلِّه؛ هذا -بلا ريبٍ- قصورٌ في تحصيلِ الظَّاهر.

والأنكى من ذلك: أن تجِدَ المُخالِفَ يَبْني على مثل هذا القصورِ في نَظَرهِ إلى النَّص مُعاندةَ ما يَراه قطعيًّا للظَّاهِر الشَّرعيِّ! وكثيرًا ما يجري هذا الخطلُ المنهجيُّ على تفهُّم الأحاديثِ النَّبويَّة؛ والحقيقة: أنَّ المُناقضَةَ إنَّما هي واقعةٌ بين العقلِ، وما تَوهَّمه أنَّه ظاهِرُ النَّصِ، لا ظاهرَ النَّصِ في نَفْسِ الأَمر.

والَّذي نعتقده الحقَّ في ذلك: أنَّ البراهينَ إذا كانت قائمةً على صِدقِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، وصِحَّةِ ما تَقبَّلته العلماء عنه مِن أخبارٍ، لَزِمَ الإيمان بها على مُرادِه هو صلى الله عليه وسلم، ولا نَتَكلَّف فَهمَ ما لا نقدرُ على فهمِه، ولا نَرُدَّ ما لم نُحِط به خُبْرًا، فرُبَّ حقيقةٍ واقعةٍ لا نَفهمُها.

ولعَلَّ ما عجزنا عن إدراكِه اليومَ، نُدرِكُه غدًا على وجهِه، أو يُدرِكُه غيرُنا؛ فلا أضَلُّ مِمَّن ذَهبَ يَرُدُّ ما لم يَقدِر على فَهمِه، ولا أجهلُ مِمَّن كذَّب بالشَّيءٍ، لأنَّ الله لم يَشأ أن يُفهِمَه إيَّاه.

ثانيًا: نماذج مِن غَلَطِ المُعاصِرين في فهم الحديثِ المُعارَض.

قد كثُر مِن مُنكِري السُّنَن المُعاصِرين الغَلطُ في فَهمِ الأخبار النَّبويَّة على وَجهِها الصِّحيحِ، وذلك منهم لضَعفِ عَربِيَّتِهم تارة، وعَدمِ إدراكِهم لسِياقاتِ النَّصِ، أو لمُجرَّد هَوىً تارة، يحمَلُ به الحديثُ على تأويلٍ مُتعسِّفٍ، أقربَ ما


(١) «الاعتصام» للشَّاطبي (٢/ ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>