للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون إلى الغَباوة، فضلًا عمَّا إذا حُمل لفظُه على معنًى يُخالف أصلًا مِن الأصولِ المَقطوعِ بها، ومِن ثَمَّ يُرَدُّ من أجلِه.

فلذا كان مِمَّا يَجتثُّ دعوى التَّعارض بين الدَّلالة العقليَّة القاطعة وظَوَاهرِ الصِّحاحِ مِن جَذْرِها: ما تَراه مِن انعدامِ المِثالِ الصَّادقِ عليها، والصَّورةِ الصَّحيحة لذلك، فإنَّ كثيرًا مِمَّا يُمَثِّل به الطَّاعنون على ذلك مِمَّا هو في «الصِّحيحين»، يَكشفُ عن خَللٍ كبير في التَّنظير، جَرَّهم إلى أَخطاءٍ في التَّخريج والتَّطبيق.

وليس مِن حظِّ هذه المَباحثِ استيفاءُ أمثلةِ ما غَلِطوا في فهِمه مِن الحديثِ فأهوَى بهم إلى إنكارِه؛ ولكنْ الكفاية حاصلةٌ للمُنصف الفهيمِ بمِثالَين لكلِّ قِسْمٍ من أسباب استشكال النُّصوص، فأقول:

المثال الأوَّل: حديثُ النِّيل والفُراتِ مِن الجَنَّة:

وهو ما جاء في مسلم مِن حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم يرفعه: «سَيْحان، وجَيْحان، والفُرات، والنِّيل، كلٌّ مِن أنهار الجنَّة» (١).

وكذا قول النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد عودِه مِن مِعراجِه، في حديثِ مالك بن صَعْصعة رضي الله عنه عنه قال: « .. ورُفعت لي سِدرة المُنتهى، فإذا نَبقها كأنَّه قِلال هَجَر، وورقُها كأنَّه آذان الفيول، في أصلِها أربعة أنهار: نهران باطِنان، ونهران ظاهِران، فسألتُ جبريل، فقال: أمَّا الباطِنان ففي الجنَّة، وأمَّا الظَّاهران: النِّيل والفُرات» (٢).

فيَحكِي مُصطفى الزَّرقا (ت ١٤٢٠ هـ) (٣)، أن أستاذًا كبيرًا مِن أعلامِ القانون الوَضعيِّ في مصر والعَالم العربيِّ، قال له: «إنَّه اشترَى كتاب «صحيح البخاريِّ»،


(١) أخرجه مسلم في (ك: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: ما في الدنيا من أنهار الجنة، رقم: ٢٨٣٩).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، رقم: ٣٢٠٧)، ومسلم في (ك: الإيمان، باب: باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات، رقم: ٢٦٤).
(٣) مصطفى أحمد الزَّرقا: من علماء الفقه السُّوريِّين، وُلد بحَلَب سنة ١٣٢٢ هـ، تربَّي في بيت علمٍ على المذهب الحنفيِّ، درَّس في عدد كبير من كليَّات الشَّريعة العربيَّة، من مؤلَّفاته: «الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد»، و «نظام التأمين»، توفي (١٩٩٩ م ١٤٢٠ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>