للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ فَتَحه مرَّةً، فوَقَع نَظرُه على هذا الحديث .. فلمَّا كان ذاك الأستاذ يَراه مُخالفًا للواقعِ -إذْ أنَّ مَنابعَ هذه الأنهار مَعروفةٌ لكلِّ دارسٍ، فهي نابعةٌ مِن الأرضِ، وليست مِن الجنَّة- أعرَضَ عن صحيح البخاريِّ كلِّه، ولم يُفكِّر في مُجرَّدِ تصَفُّحِه بعدُ! (١)

فلو حمَلنا هذا الحديثَ على ما حَمَله عليه هذا القانونيُّ مِن كونِ الأنهار المذكورة تخرج الآن مِن الجنَّة، وتَنصبُّ منها، ولم نعبَأ أن نُنازعَ المُشاهَد في ذلك: حينئذٍ جاز لنا أن نستريب في الحديثِ حقًا! لأنَّ هذه الأنهار الأربعة مَوجودة في الأرض، مَعروفةٌ للنَّاس مِن مَبدئِها إلى مُنتهاها، مَشهودة لهم مَنابِعُها الأساسة، ومَصادرها الأوَّلِيَّة، ولكنَّ الأمر -ولله الحمد- على غيرِ الوَهمِ الَّذي استقرَّ في رأسِه، جرَّاء عُسرِ فهمِه للحديث.

فأمَّا الحديثُ الأوَّل: حديث الأنهار الأربعةِ مِن أنهار الجنَّة:

فالأمرُ فيه بيِّنٌ يَسير، وليس يُغاير المُشاهَد كما ادُّعِي، بل «المُراد به: أنَّ في الأرضِ أربعةَ أنهارٍ أصلُها مِن الجنَّة» (٢).

أو يُقال: «إنَّ الله أنزَلهُنَّ مِن الجنَّة قديمًا بعد أن كُنَّ فيها، لمنفعةِ النَّاسِ، وجَعَلهُنَّ في أماكنِهنَّ الآن مِن الأرض» (٣).

ويؤيِّد هذا المعنى: رِوايةٌ أخرى للحديث جاءت بإسنادٍ حسنٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه: «فُجِّرت أربعةُ أنهارٍ مِن الجنَّة: الفرات، والنِّيل، وسيحان، وجيحان» (٤).


(١) «كيف نتعامل مع السُّنة النَّبوية» للقرضاوي (ص/١٨٦).
(٢) «كوثر المعاني الدَّراري» للخضِر الشنقيطي (٦/ ٣٢٦).
(٣) «مشكلات الأحاديث النَّبوية» لعبد الله القصيمي (ص/٧٥).
(٤) أخرجه أحمد في «مسنده» (رقم: ٧٥٤٣)، والبزَّار في «مسنده» (رقم: ٧٩٥٦)، وقال أحمد شاكر في تخريج «مسند أحمد» (٧/ ٣١٥): «إسناده صحيح»، ولكن في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة اللَّيثي، روى له البخاري ومسلم مقرونًا، وهو حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات رجال الشَّيخين، وإنَّما الحديث صحيح لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>