للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذا البيانِ بأكملِه، يأتينا اليومَ من جَهَلةِ الإماميَّة ومَن يحذو حذوَهم في عَداوةِ السُّنن، مَن يطعنُ في «الصَّحيح» باكتشافِ رواة ضعفاء في بعض أسانيدهما! وهم يجدون البخاريَّ نفسَه يضعَّفهم في كُتب التَّراجم! فاستعصى عليهم حلُّ هذه المعادلة، لفرطِ جهلِهم بمناهج التَّصنيف الحديثيِّ، ثمَّ جهلهم بأنَّ علماء الإسلام مُتَّفقون على أنَّ البخاريَّ ومسلما قد يخرجان للضَّعيف انتقاءً إذا ثَبَت ضبطُه لحديث معيَّن، بأدلَّةٍ مُعتبرة عندهم وقرائن، قد مرَّ ذكر بعضها آنفا (١).

وأمَّا القسم الثَّالث: فأنْ يُخرجَ الشَّيخان الحديثَ المُتكلَّم فيه، وله شَواهد ضعيفة ضَعْفًا يَسيرًا.

وهذا القسم أقلُّ القِسمين السَّابقين حَديثًا في «الصَّحِيحين»؛ فإذا انضَمَّ إليها ورودُها مِن أوجهٍ أخرى في أسانيدها ضَعف يَسيرٌ، فلا رَيب أنَّها تَتَقوَّى بمجموعها، ويكون أقلُّ أحوالها أن تُبوَّأ رُتبةَ الحُسن.

ثمَّ على «تقديرِ توجيه كلامِ مَن انتقدَها عليهما، يكون قولُه مُعارِضًا لتَصحيحِهما، ولا ريبَ في تقديمِهما في ذلك على غيرهِما» (٢).

وأمَّا القسم الرَّابع والأخير: فما أخرجَاه وأُعِلَّ بعِلَلٍ مُؤثِّرةٍ، لا يوجد له ما يُقوِّيه.

وهذا القسم صحيح الأصلِ (في أغلبِه)، لكن وَقَع في أحاديثه زياداتٌ مُرسَلة، أو مُدرجة، أو وَهمٌ مَا (٣)؛ ولا يصل مَجموع أحاديثِ هذا القسمِ إلَّا إلى خمسة عشر حديثًا، أو قريبًا مِن ذلك (٤).


(١) ولتفصيل هذه المسألة، يُنظر «منهج الحافظ ابن حجر في دفاعه عن رجال صحيح البخاري المتكلم فيهم» لصالح الصيَّاح (٢/ ٥٤٥).
(٢) «هدى الساري» لابن حجر (ص/٣٤٩).
(٣) كالحديث الطَّويل الَّذي رواه شريك بن أبي نمر في الإسراء، حيث أنَّ أصله صحيح، لكن وقعت في روايته ألفاظ أعلَّها كثير من النُّقاد بلغت اثني عشر فقرةً، لبعضها شواهد، وبعضها أعلالها غير قادح، وبقيت ستة ألفاظ لا شاهد لها، انظر تخريجها في «الإسراء والمعراج» للألباني (ص/٢٦).
(٤) وهو عَدُّ مصطفى باحو في كتابه «الأحاديث المنتقدة في الصحيحين» (ص/٦٣)، ومنه استفدت هذا التقسيم للأحاديث المُعلَّة عندهما، وتجد في الكتاب أمثلةً كثيرةً عن كل قسم مِن الأربعة الَّتي ذكرتها، غير أنَّ المؤلِّف زاد قسمًا خامسًا جعله للأحاديث التي ذكر فيها الناقد تعليلا، ثم رجَّح ما أخرجه الشيخان، أو ضعَّف التَّعليل هو نفسه، كما فعله الدارقطني مرَّات، لكن استغنيتُ عن هذا القسم، لأنه في حقيقته ليس تعليلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>