للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه المواطن، ولو تنبَّه النَّاظر إلى أنَّ «الصَّحيحين» ليسا كتابي سرد للحديث المَحضٍ، بل هما من كتب التَّعليل أيضًا -ولو على قلَّته فيهما- لانحلَّت له الكثير من الإشكالات المنتشرة اليوم بخصوص بعض أسانيد الكتابين.

أو يكون إيراد الشَّيخان للسَّند المُتكلَّم فيه رغبةً للعُلوِّ في الإسنادِ، ويكون أصلُ حديثه مَعروفًا مِن رواية الثِّقاتِ؛ وبهذا أجاب مسلمٌ أبا زُرعةَ الرَّازيَ (ت ٢٦٤ هـ) حين بَلَغه إنكاره روايته في «صَحيحِه المُسند» عن رُواةٍ ضعفاءَ، كأسباطِ بنِ نَصر، وقَطن بن نسير، وأحمد بن عيسى، حيث قال: «إنَّما قُلت: صَحيح، وإنمَّا أدخلتُ مِن حديثِ أسباطَ وقَطن وأحمد ما قد رَواه الثِّقات عن شيوخِهم، إلَّا أنَّه ربَّما وَقَع إليَّ عنهم بارتفاع، ويكون عندي مِن روايةِ مَن هو أوثقُ منهم بنزولٍ، فأقتصِرُ على أولئك، وأصلُ الحديث مَعروف مِن روايةِ الثِّقات» (١).

وهذا كلُّه على فرضِ كونِ تلك التَّعليلات المُوجَّهةِ لأحاديث «الصَّحيحين» صحيحة في ذاتها! وإلَّا فإنَّ كثيرًا منها غير مُعتبر عند المُحقِّقين (٢).

أو يكون المُعِلُّ لم يذكُر ما ظاهره التَّعليل إلَّا على وجهِ الاحتمالِ (٣).

أو يكون إعلالهم يَسيرًا غير مُؤثِّر في أصل صحَّةِ الرِّواية، بحيث يكون الجوابُ عنه مُتَناولًا (٤).


(١) «الضُّعفاء» لأبي زرعة الرازي (ص/٦٧٦).
(٢) كأن يُعلِّل ابن القطَّان الفاسي أحاديث باختلاطِ رُواتِها أو تدليسِهم، ويتبيَّن بجمعِ الطُّرق أنَّ الرُّواة عن المختلط قد أخذوا عنه قبل اختلاطه، أو أنَّ الشَّيخين أو غيرهما خرجوها من طُرق صرَّح فيها المدلِّس بالسَّماع ونحو ذلك، انظر أمثلة لذلك في «بيان الوهم والإيهام» (٤/ ٣٤٤،٣٤٥).
(٣) ويُبيِّن هو نفسُه صوابَ ما أخرجه الشَّيخانِ، في نفس الكتابِ، أو موطنٍ آخر، كأحاديث مَروية في «الصَّحيحين» بالإجازة والمراسلة، ذكرها الدارقطني في «التتبع» (ص/٢٩١، ٣٠٥)، ثمَّ صرَّح بأنَّ مثل هذه الأحاديث حُجَّة في قبول الإجازة والمكاتبة، وكأنَّه يردُّ على بعض من لا يصِّحح حديث المكاتبة، انظر «منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها» لأبو بكر كافي (ص/٢٢٢ - ٢٢٣).
(٤) كأن يُغلِّطَ الشيخين أو أحدهما في اسم راوٍ، وهو يصحح الحديث لكن باسم الراوي الصحيح، انظر أمثلته في «الأحاديث المنتقدة في الصحيحين» (١/ ٢٥٩، ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>