فلان، والأرجح عندي كذا، ونحو هذه العباراتِ المُحتاطةِ؛ نُصعَق في مقابلها مِن كمِّ شراسة ألفاظ الطَّاعنين المُعاصرين، وتكذيبِهم الفجِّ للأخبار المُتَّفق على صحَّتها، بلغةٍ جازمةٍ وساخرة، مع التَّجنِّي على الشَّيخينِ بشَتَّى الاتِّهاماتِ والتَّهكُّماتِ.
وكلُّ إناءٍ بما فيه يَنضح!
يقول الحجْويُّ:«الَّذين انتقدوا الصَّحيحين -كالدَّراقطنيِّ- لم يجرؤوا أن يقولوا في حديثٍ واحدٍ أنَّه مَوضوع، أو لم يقُله النَّبي صلى الله عليه وسلم، أو قالوا في راوٍ واحدٍ من رُواتهما وضَّاع أو كذَّاب! أو أنَّه مِن أهل الإلحادِ الَّذين أسلموا كرهًا! وصاروا يكيدون للإسلام بالزِّيادة في السُّنة! كما قال هذا الزَّاعم نقلًا عن الشَّيخ عبدُه المصريِّ؛ فهذه مَقالةٌ مُخترعة، لم يجسُر أحدٌ أن يطعنَ بها في الصَّحيحين، بل ولا سمعنا أحدًا تجاسَر وقال ذلك»(١).
فكان على ما بيَّناه قبيحًا بهؤلاء المُحْدَثين أن يتذرَّعوا بنَقداتِ الأئمَّة وتعليلهم لبعض ما في «الصَّحيحين»، لتبايُن ما بينهما في المكانة والمنهج والآلةِ والأغراض.
وسيزيد انكشاف هذا التَّباين بذكر أمثلة ذلك من تعليلات الأئمَّة الأربعة لبعض أخبارهما، لكثرة ما ينقُله المُعاصرون عنهم في هذا البابِ، بعد أن تكلَّمنا إجمالًا عن أئمَّة الحديث المُتقدِّمين، لتستبين المَحجَّة على أنَّ هؤلاء الأعلام يا بُعدَهم عن عبث المُعاصرين! فأقول مُستعينًا بالله تعالى:
(١) «الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام» للحجوي الفاسي (ص/١١٨).