للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن عقدة -مع حفظِه وإكثاره من الرِّواية- قد ضَعَّفه الدَّارقطني (١)، وكان من أعلمِ النَّاس به مِمَّن أخذ عنه؛ بل رَماه بالإكثار من المناكير (٢)، وقال: «لم يكنْ في الدِّينِ بالقويِّ، ولا أزيدُ على هذا» (٣)؛ ومن ثَمَّ خلُص الذَّهبي إلى كونه «صاحب تصانيف، على ضعفٍ فيه» (٤).

والَّذي يتحرَّر عندي مِن مجموع ما قيل في ابن عقدة، من سرقة للكُتب، والأمر بالكذب وبناء الرِّواية عليه: «أنَّ الرَّجل ليس بعُمدة» (٥)، وبخاصَّة فيما يُستغرَب متنه أو ينفرد به، كحال هذه الحكاية عن أبي حنيفة؛ ومِمَّا يَشهدُ لبُطلانِها: أنَّ أحدًا من تلاميذ أبي حنيفة لم يذكرها عنه، فلذا لم يعتمدها الحَنفيَّة في كُتبِ المَذهب.

وهذا (الكرديُّ) نفسُه، يعلمُ بطعنِ أعلامٍ من الحنفيَّة في هذه الحكايةِ ونقلها، ومع ذلك يُصرُّ على التَّهويشِ بها في كتابِه ذاك! ليصدُقَ عليه قولُ (الكوثريِّ) عقب ردِّه لهذا الهَذيان عن إمامه: «حَاشا أن يقول في حديثٍ صَحَّ عنده: هذا هَذيان؛ وهو نَزيهُ اللِّسان في مخاطبتِه للنَّاس، فكيف يقول هذا في مثل هذا الموقف؟! .. وبعدَ استذكارِ ما في سنِدِه مِن وجوهِ السُّقوط، لا تشُكَّ لحظةً أنَّ الهاذي هو مَن ينسِب الهذيانَ إليه بمثل هذا السَّند» (٦).

وأمَّا عن أئمَّة الحنفيَّةِ: فليس في وَدْعِهم الاحتجاجَ بهذا الحديثِ في بابِ القَصاص ما يدلُّ على ردِّه، كما يَدَّعيه مَن لم يَدر مآخذ أقوال الفقهاء ومَناطاة أحكامهم؛ فإنَّ الحنفيَّة يُصَحِّحونه أيضًا تبعًا لأهل الحديث؛ ولكنْ مذهبُ إمامهم أنَّ القَصاص لا يكون إلَّا بالسَّيف، لأدلَّة خاصَّة مُقدَّمة عندهم في هذا الباب،


(١) كما في «السنن» له (٣/ ٣٠٧، برقم: ٢٦٣١).
(٢) «تاريخ يغداد» (٦/ ١٤٧).
(٣) «سؤالات السُّلمي للدارقطني» (ص/١٠٧).
(٤) «أعلام النبلاء» (١٥/ ٣٥٤).
(٥) انظر «التَّنكيل» (١/ ٣٧٣).
(٦) «تأنيب الخطيب» للكوثري (ص/١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>