للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم يُخرِّجون حديث الرَّضخِ: إمَّا على النَّسخ، أي بنسخِ المُثْلَة، أو على أنَّه خاصٌّ بقُطَّاعِ الطُّرق (١).

والمُؤسِف حقًّا: أنَّ مَن ذكرتُ آنفًا مِن بعض المُعاصرين لجهلِهم بمناهجِ الأئمَّة في التَّصنيفِ، ادَّعوا أنَّ الحديث فيه إقامة للحدِّ على مُتَّهم من غير إقامة بيِّنة سوى إشارة المقتولة، فتوجَّهوا بإنكار رواية الحديث الَّتي في غيرِ مَوضِعه الأصليِّ من «صحيح البخاريِّ»، وهو كتاب الطَّلاق، وشَنَّعوا على البخاريِّ ما اختارَه في ذلك الموطِن من لفظِ مُختصَرٍ للحديث، وأنَّه يخلو مِن اعترافِ القاتل بالقتل؛ وتَجاهلوا باقي المواضِع الثَّلاثة الأخرى في «صَحيحِه» الَّتي فيها ذكرُ هذا الاعتراف في نصِّ المتن!

والباعث للبخاريِّ لإخراج تلك الرِّواية النَّاقصة في كتاب الطَّلاق: عادته في ذكره تحت كلِّ بابٍ ما يَتَعلَّق به مِن أحاديث تامَّة يُخرجها مناسبة لتراجمها، وإذا احتاج لحديث منها في باب آخر، فإنَّه يُخرجه فيه مقتصرا على موضع الشَّاهد منه.

وجملة الاعترافِ في الحديث قد ذَكَرها البخاريُّ في أبوابِ الحدودِ، حيث بَوَّب فيه على الحديث بِبابين: باب: «سؤال القاتل حتَّى يقرَّ، والإقرار في الحدود» (٢)، وباب: «إذا أقرَّ بالقتل مرَّة قُتل به» (٣)؛ فلمَّا جاء إلى كتاب الطَّلاق، اختصَرَ الرِّوايةَ هناك، واقتصَرَ على الشَّاهِد منها المتعلِّق بموضوع الطَّلاقِ.

والحاصل أنَّ أبا حنيفة بريء من الطَّعن في هذا الحديث، فضلًا عن ازدراءه.


(١) انظر «المبسوط» للسرخسي (٢٦/ ١٢٢)، و «اللُّباب» للمنبجي (٢/ ٧١١)، و «تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق» للزَّيلعي (٦/ ١٠٦).
(٢) «صحيح البخاري» (٦/ ٢٥٢٠، برقم: ٦٤٨٢).
(٣) «صحيح البخاري» (٦/ ٢٥٢٤، برقم: ٦٤٩٠)، وانظر أيضا (٢/ ٨٤٩، باب: ما يذكر في الأشخاص والملازمة والخصومة بين المسلم واليهودي).

<<  <  ج: ص:  >  >>