للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث الثَّاني:

ادَّعى (الكرديُّ) (١) و (جمال البنَّا) (٢) إعلالَ أبي حنيفة لِما اتُّفق عليه من حديث عبد الله بنِ عمر رضي الله عنه في رفعِ اليدين عند الرُّكوعِ والقيام منه، وتقديمَه حديثَ ابن مسعود رضي الله عنه عليه، في قوله: «صلَّيتُ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، ومع عمر، فلم يرفعوا أيديهم إلَّا عند التَّكبيرة الأولى في افتتاح الصَّلاة» (٣).

وهذه دعوى غير صحيحة عن الإمام، فليس المَنقول عنه إلَّا أنَّه لم يكُن يَرى رفع اليَدين، فإنَّه وأهلَ الكوفةِ اقتصروا على ما بَلغَهم مِن تَركِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه للرَّفعِ (٤)، وغيرُ لازمٍ من عدمِ عمل العالمِ بالنَّصِ تضعيفه (٥)، ولكن لم تبلغهم باقي الأحاديث في سُنيَّةِ الرَّفعِ؛ وهذا كافٍ في الاعتذارِ لأبي حنيفة عن دعوى إنكارِ الحديث في ذلك.

وفي تقرير هذا العُذر له، يقول ابن تيميَّة:

«أمَّا رفعهما عند الرُّكوعِ والاعتدال مِن الرُّكوع فلم يَعرفه أكثرُ فقهاءِ الكُوفة، كإبراهيم النَّخعي، وأبي حنيفة، والثَّوري، وغيرهم، وأمَّا أكثر فقهاء الأمصار وعلماء الآثار، فإنَّهم عَرفوا ذلك، لِما استفاضت به السُّنة عن


(١) «نحو تفعيل نقد متن الحديث» (ص/٥٣).
(٢) «تجريد البخاري وسلم» (ص/١٦).
(٣) أخرجه الدارقطني في «سننه» (٢/ ٥٢، برقم: ١١٣٣)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٢/ ١١٣، برقم: ٢٥٣٤)، وضعَّفه الدارقطني قائلًا: «تفرَّد به محمد بن جابر وكان ضعيفًا، عن حماد، عن إبراهيم، وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلا، عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب».
(٤) يقول ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (٢٢/ ٢٤٨): « .. وابن مسعود لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا أول مرة؛ لكنهم رأوه يصلي ولا يرفع إلا أول مرة، والإنسان قد ينسى، وقد يذهل، وقد خفي على ابن مسعود التَّطبيق في الصلاة؛ فكان يصلي وإذا ركع طبَّق بين يديه كما كانوا يفعلون أول الإسلام، ثم إن التطبيق نُسخ بعد ذلك، وأُمروا بالرُّكب، وهذا لم يحفظه ابن مسعود».
(٥) وهذا الكوثريُّ -وهو المتعصِّب لأبي حنيفةَ- قد أقرَّ بصحَّةِ حديث ابن عمر، انظر «التنكيل» (٢/ ٧٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>