للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي حنيفةَ ومَذهبِه يقول: «جاءت هذه الآثار عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتَواترت في الرُّخصةِ في بَيعِ العَرايا، وقَبِلَها أهل العلمِ جميعًا، ولم يَختلفوا في صحَّةِ مَجيئها، وتَنازعوا في تأويلِها» (١).

فالتَّأويل الفِقهيُّ للحديث هو مَحلُّ الخِلاف بين أبي حنيفةَ والفقهاء لا صِحَّته، حيث نزعَ الحنفيَّة بالحديثِ إلى مَعنى الثَّمرِ الَّذي وَهبه صاحبُه، وهو ما زال في رؤوسِ النَّخل، ثمَّ تَراجع عن هِبَته، لتَحرُّجِه مِن دخول المَوهوبِ له بُستانَه أو لنحوِ ذلك، فيُباح له أن يُعطِيَه بَدَله بخَرْصِه تمرًا.

واستبعدَ أبو حنيفة أن يكون المُراد بالعَرايا فيه بيعُ الرُّطبِ على رؤوسِ النَّخلِ بالتَّمر خَرْصًا (٢)؛ فردَّ أن يكونَ معنى التَّرخيصِ هنا داخلًا في البيوع، بل في معنى الهِبَة، توفيقًا منه بين هذا الحديثِ وحديثِ النَّهيِ عن المُزابنةِ (٣).

ولا شكَّ أنَّ هذا التَّأويل كلَّه مِن أبي حنيفةَ فرعٌ عن تصحيحِه الخَبر.

الحديث الرَّابع:

عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُصَرُّوا (٤) الإبلَ والغنمَ، فمَن ابتاعها بعدُ فإنَّه بخير النَّظَرَيْن بعد أن يحتلِبها: إن شاءَ أمسَكَ، وإن شاء رَدَّها وصاعَ تمرٍ» (٥).

فقد نَسبَ (الكرديُّ) إلي أبي حنيفة الإعراضَ عن هذا الحديثِ (٦)، و «يُبرِّر


(١) «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٤/ ٣٠).
(٢) انظر «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٤/ ٣١)، و «المبسوط» للسرخسي (١٢/ ١٩٣).
(٣) الَّذي فيه بيع التَّمر بالتَّمر خرصًا، انظر «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٤/ ٣١)، و «فتح القدير» لابن الهمام (٦/ ٣٨١)، و «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٦٤).
(٤) على وزنِ (تُزكُّوا)، من التَّصرية: وهي الجمع والشَّد، ومعناها في الحديث حبس اللبن في ضروع الأنعامِ لتُباع كذلك فيغتر بها المشتري، انظر «مشارق الأنوار» (٢/ ٤٢).
(٥) أخرجه البخاري (ك: البيوع، باب: باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل، والبقر والغنم وكل محفلة، برقم: ٢٠٤١)، ومسلم (ك: البيوع، بابك حكم بيع المصراة، برقم: ١٥٢٤).
(٦) نسب هذا القول إلى أبي حنيفة أيضًا محمد أبو زهرة في كتابه «أبو حنيفة» (ص/٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>