للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرُ الإسلامِ البزدويُّ الحنفيُّ عدمَ اعتمادِ الأحنافِ هذا الخبَرَ بأنَّه مُخالفٌ للقواعدِ والأصول» (١).

والحديث لم يَتفرَّد به أبو هريرة -كما أوهمه (الكرديِّ) في مَعرض كلامِه- بل رواه معه ابن عمر، وأنس، وعمرو بن عوف، وأفتى بمُوجِبه ابن مسعود وأبو هريرة، ولا مُخالف لهؤلاء مِن الصَّحابة، وقال به مِن التَّابعين ومَن بعدهم مَن لا يُحصى عددًا، وبظاهرِه أخَذَ جمهور الفقهاء (٢).

ثمَّ الأحناف أنفسُهم لم يتَّفقوا على تركِ العَملِ به، فقد أخَذَ به زُفَر، وأبو يوسف في روايةٍ (٣).

وما أُثِر عن أبي حنيفةَ تركُه لهذا لحديث، فهو مِن جهة العَمل بظاهِرِه لا غير، وقد حكى ابن عبد البرِّ عن بعضِ أصحابِه أنَّ مُستند تركِه العمَلَ به كونُه مَنسوخًا (٤)، والقول بنسخ الخبر فرع تصحيحِه.

يؤكِّد هذا قول الطَّحاويِّ: «ذَهبوا -يعني الحَنفيَّة- إلى أنَّ ما رُوِيَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك مَنسوخٌ، فرُوِي عنهم هذا الكلام مُجمَلًا، ثمَّ اختُلِف عنهم مِن بَعدُ في الَّذي نَسَخَ ذلك ما هو .. » (٥)؛ والله أعلم.

الحديث الخامس:

أخرجَ الشَّيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أدركَ مالَه بعَيْنِه عند رجلٍ -أو إنسانٍ- قد أفلَسَ فهو أحَقُّ به مِن غيره» (٦).


(١) «نحو تفعيل نقد متن الحديث» (ص/٥٦).
(٢) انظر «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٦٤ - ٣٦٦)، وما نُقل في «العُتبية» عن مالكٍ ردَّ هذا الحديث قد أنكره عنه ابن عبد البرِّ في «التمهيد» (١٨/ ٢٠٣) قال: «هذه رواية منكرة، والصحيح عن مالك ما رواه ابن القاسم»، يعني أخذه بحديث المصراة.
(٣) انظر «فتح القدير» لابن الهمام (٦/ ٤٠٠)، و «البحر الرائق» لابن نجيم (٦/ ٥١).
(٤) «التمهيد» لابن عبد البر (١٨/ ٢٠١).
(٥) «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٤/ ١٩).
(٦) أخرجه البخاري في (ك: الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب: إذا وجد ماله عند مفلس في البيع، والقرض والوديعة فهو أحق به، برقم: ٢٢٧٢)، ومسلم في (ك: المساقاة، باب: باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه، برقم: ١٥٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>