للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسيأتي بيانُ المعنى السَّليم للحديث، والمُوافق للعقلِ والواقع، ويلحقُه الجوابُ على جُملةِ المُعارضاتِ المُوجَّهة له، وذلك في الباب الثَّالث مِن هذا البحث.

وأمَا القِسم الثَّاني من قِسْمَي سوء الفهم الحاصلِ من المُعترضِ على صِحاحِ الأخبار: الَغلَط في فهمِ الأصلِ المُعارَضَ به:

وذلك بأن يَجعلَ المعنَى الَّذي قرَّره الحديث، هو الظَّاهرَ الَّذي لا يُمكن أن يكون مُرادًا، لمُناقضتِه أصولًا قطعيَّة عنده (١).

فيكون فهمُ المُعترِضِ للحديثِ صحيحًا في ذاتِه، لكن عارَضَه في ذهنِه فهمٌ آخرُ لمِا تَوهَّمه أصلًا مِن الأصول القطعيَّة، ويكون ما اعتقَدَه أصلًا هو -في حقيقتِه- ناشئًا عن فهمٍ مغلوطٍ، أو مُخِلًّا ببعضِ مُقدِّماته ونتائجِه؛ فتَراه يُقدِّم هذا الفهمَ الخاطئَ لمِا يَراه كُليَّةً في الدِّين، أو يَظنُّه أمرًا مَقطوعًا به في علمٍ ما، يُقدِّم هذا على فهمِه الصَّحيحِ لإحدى أفرادِ النُّصوصِ الحديثيَّةِ.

وهذه مَزَلَّة غير سهلةٍ، قد أوْقَعَت أكثرَ أهلِ المَقالاتِ البِدعيَّةِ في مُستنقَعِ الاستشكالاتِ، ورَدِّ المُحكاتِ بالمُتشابهات، وإليها إشارة المُعلِّميِّ (ت ١٣٨٦ هـ) في قولِه: « .. للاستشكالِ أسبابٌ، أشدُّها استعصاءً: أن يَدُلَّ النَّص على معنى هو حَقٌّ في نفسِ الأمر، لكن سَبَق لك أن اعتقَدْتَ اعتقادًا جازِمًا أنَّه باطل!» (٢).

والقرآن أكثرُ الأصولِ النَّقليَّةِ الَّتي يُساء مُعارضة الصِّحاحِ من الأحاديث بها:

وأظهرُ ما يَقَع به المُعارضةُ للأحاديثِ مِن الأصولِ، مِمَّا يُسيء المُعترِضُ فهمَها على وجهِها: القرآن الكريم؛ فإنَّ اتِّفاقَ الطَّوائف الإسلاميَّة كلِّها حاصلٌ على قُدسِيَّتِه، وقَطعِيَّةِ نقلِه، وعُلوِّه على كلِّ مَقالٍ.


(١) انظر «التدمرية» لا بن تيمية (ص/٦٩).
(٢) «الأنوار الكاشفة» (ص/٢٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>