للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشَّرعِ حكمٌ لا يجوز شرطًا بالشَّرع؟ (١) فقد رَجَع إلى أصلٍ إجماعيٍّ؛ وأيضًا فإنَّ قاعدةَ الغَرَر والجهالةِ قطعيَّة، وهي تُعارض هذا الحديث الظَّنيَّ» (٢).

فتوهَّمَ (الكرديُّ) و (جمال البنَّا) (٣) مِن هذا الكلامِ للشَّاطبيِّ، أنَّ مالكًا طَعَنَ في صِحَّةِ هذا الحديثِ! وليس في عبارة الشَّاطِبيِّ ما يُفيد ذلك، «إنَّما أرادَ به أنَّه لو كان هذا أمرًا مَعمولًا به، لتشاغل النَّاس بتحديدِ هذا المجلسِ، وتوقيتِ لزومِ البَيعِ» (٤).

والغلَط على مالكٍ في هذا الحديث قَديم، بَلَغ بابنِ أبي ذئبٍ (ت ١٥٨ هـ) أن قال في مالكٍ حين بلغه تركه له: «يُستَتَاب، وإلَّا ضُربِت عُنُقه!»؛ فتصدَّى له أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ) بقوله: «مَالكٌ لم يُرِد الحديثَ، ولكنْ تَأوَّلَه على غير ذلك» (٥).

هذا؛ وليس في أصحابِ مالكٍ مَن يطعنُ في ثبوتِ الحديث، ومُحصَّل مُدافعاتهم لظاهرِه لا يخرجُ عن مَسْلَكين: إمَّا القول بنسخِه (٦)، أو تأويله على مَعنى الافتراقِ بالأقوالِ، وأنَّ المُتَبايِعين فيه بمَعنى المُتسَاوِمَين (٧).


(١) هذا النص اقتبسه الشاطبي إلى هنا من كلام ابن العربي في كتابه «القبس» (ص/٨٤٥).
(٢) «الموافقات» (٣/ ١٩٧).
ومِن أظهرِ الأدلَّة الَّتي تحول دون العمل بالحديث عند المالكيَّة: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١]، والعقد هو الإيجاب والقبول، والأمر على الوجوب، وخيار المجلسِ يوجب ترك الوفاءِ بالعقدِ، لأنَّ له عندهم أن يرجعَ في البيعِ بعد ما أنعمَ ما لم يفترَّقا.
وأمَّا القياس: فإنَّهم قالوا: عقدُ معاوضة، فلم يكن لخيارِ المجلسِ فيه أثرٌ، أصلُه سائرُ العقود، مثل النِّكاح، والكِتابة، والخلع، والرُّهون، والصُّلح على دم العَمد.
(٣) «تجريد البخاري وسلم» (ص/١٧).
(٤) «شرح التلقين» للمازري (٢/ ٥٢٢).
(٥) «المعرفة والتاريخ» للفسوي (١/ ٦٨٦).
(٦) انظر «المقدمات الممهدات (٢/ ٩٦)، وأشار المازري في «شرح التَّلقين» (٢/ ٥٢١) أنَّ مالكًا أشار إلى هذه الطريقة في «الموطَّأ» (ك: البيوع، باب: بيع الخيار، ٢/ ٦٧١).
(٧) انظر «التنبيهات المستنبطة» للقاضي عياض (٣/ ١٢٦٣)، و «بداية المجتهد» (٣/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>