للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنعُ الصِّيامِ عن الميِّت بدلالةِ الأصلِ القرآنيِّ العامِّ، مُستصحِبًا إجماعَ أهلِ المدينةِ على أنَّه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ، ولا يَصوم أحَدٌ عن أحَدٍ (١).

فأمَّا نقلُ مالكٍ لهذا الإجماعِ: فنقرُّ بكونه الأصلَ في هذا الباب؛ إنَّما مَحلُّ الخلاف في بعضِ الحالاتِ الَّتي ورَد استثناؤها بالنَّص!

كما قال ابن عبد البرِّ: « .. أمَّا الصَّلاة: فإجماعٌ مِن العلماء أنَّه لا يُصلي أحَدٌ عن أحدٍ فرضًا عليه مِن الصَّلاة ولا سُنَّة ولا تَطوُّعًا، لا عن حَيٍّ ولا عن ميِّت، وكذلك الصِّيام عن الحيِّ، لا يُجزِئ صومُ أحدٍ في حياتِه عن أحَدٍ، وهذا كلُّه إجماعٌ لا خلاف فيه؛ وأمَّا مَن ماتَ وعليه صيامٌ: فهذا مَوضع اختلف فيه العلماء قديمًا وحديثًا .. » (٢).

ثمَّ قولُ مالكٍ بعد بلاغِه عن ابن عمر: «ولم أسمع أنَّ أحدًا من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مِن التَّابعين بالمدينة أنَّ أحدًا منهم أمر أحدًا قطُّ يصوم عن أحدٍ، ولا يصلِّي أحدٌ عن أحدٍ، وإنَّما يفعل ذلك كلُّ إنسانٍ لنفسِه، ولا يَتأدَّى مِن أحدٍ» (٣).

فليس في هذا الكلامِ ما يدلُّ على أنَّ إجماعَ أهل المدينةِ واقعٌ على تركِ حديثِ عائشة بخصوصِه -كما فهِمَه بعضُ المالكيَّة (٤) - إنَّما هذا من مالكٍ توكيدٌ لأصلِه السَّالف: «لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ .. ».

فمالكٌ نَفَى عِلمَه أنَّ أحَدًا مِن سَلَفِ المدينةِ قال بمَشروعيَّة الصِّيام عن المَيِّت، وعدمُ علمِ مالكٍ بذلك لا يَستلزم نفيَ القائل به في الواقع، فقد ورد عن سعيد بن المُسَيِّب، وهو أحد فقهاء المدينة السَّبعة (٥)!


(١) ذكر الطاهر ابن عاشور في «كشف المغطى» (ص/١٦٨) أنه نُقل عن مالك قال: «ما سمعت أحدًا من الصحابة والتابعين بالمدينة أفتى بما روته عائشة وابن عباس»، ولم أجد هذا القول في المصادر الأصلية لأقول مالك وأصحابه بعد بحثي فيها.
(٢) «الاستذكار» (٣/ ٣٤٠).
(٣) «الموطأ» لمالك برواية أبي مصعب الزهري (١/ ٣٢٣)، ورواية القعنبي (برقم: ٥٢٤).
(٤) انظر «المفهم» لأبي العباس القرطبي (٣/ ٢٠٩).
(٥) نقله عنه ابن حزم في «المحلى» (٤/ ٤٢٦)، وانظر «عمدة القاري» للعيني (١١/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>