للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول القاضي عياض: «يُحتمَل أنَّ كراهةَ ما كرِه مِن ذلك وأخبرَ أنَّه غير مَعمول به: اتِّصالُ هذه الأيَّام برمضان إلَّا فضل يوم الفِطر، فأمَّا لو كان صومُها في شوَّال مِن غير تَعيينٍ ولا اتِّصالٍ، أو مُبادرةٍ ليوم الفطر: فلا، وهو ظاهرُ كلامه بقولِه: في صِيامِ ستَّة أيام بعد الفطر» (١).

ومِن ثمَّ يحتمل الأمر أنَّ مالكًا حَمَل حرف (مِن) في قوله صلى الله عليه وسلم: «مِن شوَّال» على الابتداء لا التَّبعيض، أي أنَّها تُصام في أي أيَّام من أيَّام الشُّهور ابتداءً من شوَّال، وذلك أنَّ مالكًا لم يجد من أهل المدينة ولا بلغه عن أحدٍ من السَّلف مَن كان يتحرَّى صيامها في شوَّال؛ فضلًا عمَّا رأى في ذلك من مفسدة الابتداع.

وهذا ما انتصر له ابن العربي في قوله: «كره علماء الدِّين أن تُصام الأيَّام السِّتة الَّتي قال النَّبي صلى الله عليه وسلم فيها: «مَن صام رمضان وستًّا من شوال، فكأنمَّا صام الدَّهر كلَّه» متَّصلةً برمضان، مخافةَ أن يَعتقد أهل الجهالة أنَّها من رمضان.

ورأوا أنَّ صومَها من ذي القعدة إلى شعبان أفضل؛ لأنَّ المقصود منها حاصلٌ بتضعيف الحسنة بعشرة أمثالها متى فُعلت؛ بل صومها في الأشهر الحُرم وفي شعبان أفضل؛ ومن اعتقد أن صومها مخصوص بثاني يوم العيد فهو مبتدع سالكٌ سَنن أهل الكتاب في الزِّيادات» (٢).

وعلى هذا المحملِ مَشى مشهور مذهب المالكيَّة في فهمِ مَوقفِ إمامنا مِن صيامِ السِّت مِن شوَّال (٣): أنَّها مكروهة من غير أن يُرَدَّ الحديث فيها؛ يَشهدُ لهم بذلك تَصريحُ مُطَرِّف بنِ عبد الله (٤) عن مالكٍ، قال: «إنمَّا كرِه صومَها لِئلَّا يُلحِقَ


(١) «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (٤/ ١٤٠).
(٢) «أحكام القرآن» لابن العربي (١/ ١٠٩).
(٣) كما تراه في «الاستذكار» لابن عبد البر (٣/ ٣٨٠)، و «المنتقى شرح الموطأ» للباجي (٢/ ٧٦)، و «النوادر والزيادات» لابن أبي زيد القيرواني (١/ ٧٨)، و «المقدمات الممهدات» لابن رشد (١/ ٢٤٣)، و «المفهم» لأبي العباس القرطبي (٣/ ٢٣٧ - ٢٣٨)، وغيرهم.
وهو قول الحنفيَّة أيضًا، انظر «فتح القدير» للكمال ابن الهمام (٢/ ٣٤٩).
(٤) مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان ابن يسار اليساري الهلالي، ابن أخت مالكٍ، تفقه عليه عشرين سنة! وهو ثقة في الحديث، توفي سنة (٢٢٠ هـ)، انظر «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (٣/ ١٣٣)، و «شجرة النور الزكية» لمخلوف المالكي (١/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>