للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالكٌ الاحتجاجَ ببعضِ ما رَوَاه عن بعضِ شيوخِه، إذا لم يثِق بحفظِه ببعضِ ما رواه».

ثمَّ عاد مرَّةً أخرى لاحتمالِه الأوَّل فقال: «وقد يُمكن أن يكون جهلِ الحديثَ، ولو علمه لقال به، والله أعلم» (١).

والَّذي نخلُص إليه من كلامِ ابن عبد البرِّ: أنَّ مالكًا إمَّا أنَّه لم يبلُغه حديث أبي أيُّوب، وإمَّا:

المحمل الثَّاني: أن الحديثَ بَلَغ مالكًا، لكن مِن طريقٍ ضعيفٍ:

يقول الباجيُّ: «الأصلُ في صيامِ هذه الأيَّام السِّتة: ما رواه سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيُّوب الأنصاري؛ وسعد بن سعيد هذا مِمَّن لا يَحتمِلُ الانفرادَ بمثلِ هذا، فلَّما ورَدَ الحديثُ على مثل هذا، ووَجَد مالكٌ علماءَ المدينةِ مُنكرين العملَ بهذا: احتاطَ بتركِه، لِئَّلا يكون سَبَبًا لمِا قاله» (٢).

وهذا الَّذي رَجَّحه ابن رشد الحفيد (٣).

المحمل الثَّالث:

أنَّ الأمر لا يتعلَّق بثبوت الحديث من عدمه عند مالك، بل هو صحيح عند مالك، وإنَّما كرِه صيامِ هذه السِّت بعد الفطر من رمضان خشيةَ إلحاقها به، وأن لا يُميِّزوا بينها وبينه، ويعتقدوا مع طولِ العهدِ فَرضِيَّتَها، سدًّا منه للذَّريعة إلى ذلك (٤)، وإبقاءً للعبادةِ المُقدَّرة على حَالهِا غير مُختلِطةٍ بغيرها (٥)؛ أمَّا للرَّجُلِ في خاصَّةِ نفسِه يصوم صومًا، فلا يكره مالكٌ له صِيامَها لهذا الحديث.


(١) «الاستذكار» (٣/ ٣٨٠).
(٢) «المنتقى شرح الموطأ» (٢/ ٧٦) باختصار.
(٣) «بداية المجتهد» (٢/ ٧١).
(٤) تأصيل هذه المنزع الأصولي عند مالك تجده في «الموافقات» (٤/ ٤٠١ - ٤٠٢)، و «مجالس التذكير» لابن باديس (ص/٥٤).
(٥) وهذا مَسلك قويٌّ معتبر عند الأصوليِّين، وابن قيم الجوزية مع استماتتِه في تصحيح هذا الحديث، والرَّدِّ على مَن لم يأخُذ بمُقتصاه: اعترفَ بقوَّةِ هذا المحمل من مالكٍ، وحِدَّته في النَّظر الفقهي، كما في كتابه «تهذيب سُنن أبي داود» (٧/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>