للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ذكر (الكرديُّ) (١)، و (جمال البنَّا) (٢) أنَّ مالكًا لم يَعمل بهذا الحديث، وعَدُّوا ذلك مَطعنًا منه فيه، بل غَلا بعضُ مُتعجِّلةِ الصُّحفِيِّين حتَّى ادَّعوا بِدعيَّةَ العملِ ما فيه، لترْكِ مالكٍ له (٣).

وليست نسبةُ التَّركِ إلى مالكٍ بصحيحةٍ بهذا الإطلاقِ المُتَوهَّم، ولم يَثبُت عنه طَعنٌ صريحٌ في هذا الحديث، والَّذي في «مُوطَّئِه» فيما نَقَله عنه يحيَى اللَّيثي قال: «سمعتُ مالكًا يقول في صيام ستَّة أيامٍ بعدَ الفطر من رمضان: إنَّه لم يرَ أحدًا مِن أهلِ العلمِ والفقه يَصومُها، ولم يَبلُغني ذلك عن أحَدٍ من السَّلَف، وإنَّ أهلَ العلمِ يَكرهون ذلك، ويَخافون بِدعتَه، وأن يُلحِقَ برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالةِ والجفاءِ لو رَأوا في ذلك رُخصةً عند أهلِ العِلمِ، ورَأَوهم يَعملون ذلك» (٤).

وهؤلاء أعلمُ النَّاسِ بمذهبِ مالكٍ، قد حملوا كلامَه هذا على ثلاثِ مَحاملٍ، تخلو ثلاثتُها مِن تعليلٍ للحديث:

المَحمل الأوَّل: أنَّ مالكًا قاله لأنَّه لم يبلغه الحديث:

وهذا ما نقله المازريُّ عن بعضِ الشُّيوخ، قالوا: «لعلَّ الحديث لم يبلغ مالكًا» (٥).

وهو احتمال تَردَّد ابن عبدِ البَرِّ في الرُّكونِ إليه، فقال: «لم يبلغ مالكًا حديثُ أبي أيوب، على أنَّه حديث مدنيٌّ، والإحاطة بعلم الخاصَّة لا سبيل إليه .. »؛ ثمَّ رَجَع عن هذا الظنِّ، فقال: «وما أظنُّ مالكًا جَهِل الحديثَ والله أعلم، لأنَّه حديثٌ مَدنيٌّ، انفرَدَ به عمر بن ثابت، وقد قيل إنَّه رَوى عنه مالك، ولولا عِلمُه به ما أنكَرَه، وأظنُّ الشَّيخ عمر بن ثابت لم يكُن عنده مِمَّن يُعتَمَد عليه، وقد تَرَك


(١) «نحو تفعيل نقد متن الحديث» (ص/٥٩).
(٢) «تجريد البخاري وسلم» (ص/١٨).
(٣) منهم (جميل خيَّاط) في جريدة الوطن الكويتية عدد ٢٥٦٧ بتاريخ ٢٨/ ٩/١٤٢٨ هـ، وقلَّده في ذلك كاتب آخر يسمى (نجيب عصام يماني)، في جريدة عكاظ السعودية عدد ٣٠٣٣ بتاريخ ١٧/ ١٠/١٤٣٠ هـ.
(٤) «الموطأ» (ص/٣١١).
(٥) «التاج والإكليل» للمواق الغرناطي (٣/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>