للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: أنَّ الصَّحابة أرادوا الأكلَ ممَّا نَهبوه مِن أُناسٍ في أرضِ العَدوِّ مُتأوِّلين لضرورةِ الجوع، فزَجَرهم النَّبي صلى الله عليه وسلم عن هذا التَّأويل، وليس لأنَّهم أكلوه قبل القِسمة (١).

وقيل في تعليلِ إهراقِ النَّبي صلى الله عليه وسلم غيرُ ذلك (٢)، وليس فيها ما يُعارض كلامَ مالكٍ بفضلِ الله.

فعندي أنَّ الشَّاطبيَّ وَهِم في دعواه إنكارَ مَالكٍ للحديث، وتعليل ذلك بمُعارضةِ المصلحةِ اجتهادٌ منه.

وقد لاحظنا أنَّ إسنادَ الشَّاطبيِّ لِما ادَّعاه على مالكٍ كان إلى ابنِ العَربيِّ (ت ٥٤٣ هـ)، فلمَّا رَجعتُ إلى كلامِ الأخير في شرحِه لـ «المُوطَّأ»، وجدته ينقُل تجويزَ مالكٍ للأكلِ مِن الغنيمةِ قبل القِسمة بقيْدِ الحاجةِ دون ادِّخارٍ! وهو عَينُ ما قرَّرناه آنفًا مِن كلامِ مالكٍ!

يؤيِّد ذلك: المقصدَ الَّذي لأجله نقل ابنِ العَربيِّ هذه الفتوى مِن مالكٍ، حيث استعملها للرَّد على مَن يُجوِّزُ الأكلَ مِن الغنيمة قبل القِسمة مُطلقًا مِن غير قَيْدٍ، وقرَّر أنَّ ما أفتى به مالك في هذه المسألةِ، هو مِن دلائلِ المَصلحةِ الَّتي تميَّز بها (٣)؛ والله تعالى أعلم.

الحديث الخامس:

أخرجَ مسلمٌ عن أبي أيُّوب الأنصاري رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن صامَ رمضانَ، ثمَّ أتبعَه سِتًّا مِن شوَّال، كان كصيامِ الدَّهرِ» (٤).


(١) ذكره القاضي عياض في «إكمال المعلم» (٦/ ٤٢١)، وعنه ابن حجر في «فتح الباري» (٩/ ٦٢٦)، ويقوِّي هذا المعنى مُرادًا للحديث: ما ذكره رجلٌ من الأنصارِ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأصاب النَّاس حاجةٌ شديدةٌ وجهد، وأصابوا غنمًا فانتهبوها، فإنَّ قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسِه، فأكفأَ قدورَنا بقوسِه، ثمَّ جعلَ يرمل اللَّحم بالتُّراب، ثمَّ قال: «إنَّ النُّهبة ليست بأحلَّ من الميتة»؛ أخرجه أبو داود في «السُّنن» (رقم: ٢٤٠٥)، وجوَّد إسناده ابن حجر في «الفتح» (٩/ ٦٢٦).
(٢) انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٣/ ١٢٦).
(٣) «القبس» لابن العربي (٢/ ٦٠٥ - ٦٠٦).
(٤) أخرجه مسلم (ك: الصيام، باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان، برقم: ١١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>